كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 18)

إن كنتم تعلمون
84
- جوابه محذوف ثقة بدلالة الإستفهام عليه أي إن كنتم من أهل العلم ومن العقلاء أو عالمين بذلك فأخبروني به وفي الآية من المبالغة في الاستهانة بهم وتقرير فرط جهالتهم ما لا يخفى
ويقوي هذا أنه أخبر على الجواب قبل أن يجيبوا فقال سبحانه : سيقولون لله فإن بداهة العقل تضطرهم إلى الإعتراف بأنه سبحانه خالقها فاللام للملك باعتبار الخلق قل أي عند اعترافهم بذلك تبكيتا لهم أفلا تذكرون
85
- أي أتعلمون أو أتقولون ذلك فلا تتذكرون أي من فطر الأرض ومن فيها ابتداء قادر على إعادتها ثانيا فإن البدء باهون من الإعادة بل الأمر بالعكس في قياس المعقول وقريء تتذكرون على الأصل قل من قال رب السماوات السبع ورب العرش العظيم
86
- أعيد لفظ الرب تنويها بشأن العرش ورفعا لمحله من أن يكون تبعا للسماوات وجودا وذكرا وقرأ ابن محيصن العظيم بالرفع نعتا للرب
سيقولون لله قرأ أبو عمرو ويعقوب بغير لام فيه وفيما بعده ولم يقرأ على ما قيل في السابق بترك اللام والقراءة بغير لام على الظاهر وباللام على المعنى وكلا الأمرين جائزان فلو قيل : من صاحب هذه الدار فقيل : زيد كان جوابا عن لفظ السؤال ولو قيل : لزيد لكان جوابا على المعنى لأن معنى من صاحب هذه الدار لمن هذه الدار وكلا الأمرين وارد في كلامهم أنشد صاحب المطلع : إذا قيل من رب الزالف والقرى ورب الجياد الجرد قلت لخالد وأنشد الزجاج وقال السائلون لمن حفرتم فقال المخبرون لهم وزير قل إفحاما لهم وتوبيخا أفلا تتقون
87
- أي أتعلمون ذلك ولا تتقون أنفسكم عقابه على ترك العمل بموجب العلم حيث تكفرون به تعالى وتنكرون ما أخبر به من البعث وتثبتون له سبحانه شريكا
قل من بيده ملكوت كل شيء مما ذكر ومما لم يذكر وصيغة الملكوت للمبالغة في الملك فالمراد به الملك الشامل الظاهر وقيل : المالكية والمدبرية وقيل : الخزائن وهو يجير أي يمنع من يشاء ممن يشاء ولا يجار عليه ولا يمنع أحد منه جل وعلا أحدا وتعدية الفعل بعلى لتضمينه معنى النصرة أو الإستعلاء إن كنتم تعلمون
88
- تكرير لاستهانتهم وتجهيلهم على ما مر سيقولون لله ملكوت كل شيء والوصف بأنه الذي يجير ولا يجار عليه قل تهجينا لهم وتقريعا فأنى تسخرون
89
- كيف أو من أين تخدعون وتصرفون عن الرشد مع علمكم به إلى ما أنتم عليه من البغي فإن من لا يكون مسحورا مختل العقل لا يكون كذلك وهذه الآيات الثلاث أعني قل لمن إلى هنا على ما قرر الكشف للسابق وتمهيد للاحق وقد روعي في السؤال فيها قضية الترقي فسئل عمن له الأرض ومن فيها وقيل : من تغليبا للعقلاء ولأنه يلزم أن يكون له غيرهم من طريق الأولى ثم سئل عمن له السماوات والعرش العظيم والأرض بالنسبة إليه شيء ثم سئل عمن بيده ملكوت كل شيء فأتي بأعم العام وكلمة الإحاطة وأوثر الملكوت وهو الملك الواسع وقيل : بيده تصويرا وتخييلا وكذلك روعي هذه النكتة في الفواصل فعيروا أولا بعدم التذكر فإن أيسر النظر يكفي في انحلال عقدهم ثم الإتقاء وفيه وعيد ثم بالتعجب من خدع عقولهم فتخيل الباطل

الصفحة 58