كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 18)

حقا والحق باطل وأنى لها التذكر والخوف
بل أتيناهم بالحق إضراب عن قولهم إن هذه إلا أساطير الولين والمراد بالحق الوعد بالبعث وقيل : ما يعمه والتوحيد ويدل على ذلك السياق وقريء بل أتيتهم بتاء المتكلم وقرأ ابن أبي إسحاق بتاء الخطاب وإنهم لكاذبون
90
- في قولهم إن هذا إلا أساطير الأولين أو في ذلك وقولهم بما ينافي التوحيد ما اتخذ الله من ولد لتنزهه عز و جل عن الأحتياج وتقدسه تعالى عن مماثلة أحد
وما كان معه من إله يشاركه سبحانه في الألوهية إذا لذهب كل إله بما خلق أي لاستبد بالذي خلقه واستقل به تصرفا وامتاز ملكه عن ملك الآخر ولعلا بعضهم على بعض ولوقع التحارب والتغالب بينهم كما هو الجاري بين الملوك والتالي باطل لما يلزم من ذلك نفي ألوهية الجميع أو ألوهية ما عدا واحدا منهم وهو خلاف المفروض أو لما أنه يلزم أن لا يكون بيده تعالى وحده ملكوت كل شيء وهو باطل في نفسه لما برهن عليه في الكلام وعند الخصم لأنه يقول باختصاص ملكوت كل شيء به تعالى كما يدل عليه السؤال والجواب السابقان آنفا كذا قيل ولا يخفى أن اللزوم في الشرطية المفهومة من الآية عادي ولا عقلي ولذا قيل : إن الآية إشارة إلى دليل إقناعي للتوحيد لا قطعي
وفي الكشف قد لاح لنا من لطف الله تعالى وتأييده أن الآية برهان نير على توحيده سبحانه وتقريره أن مرجع الممكنات الواجب الوجود تعالى شأنه جل عن كل كثرة أما كثرة المقومات أو الأجزاء الكمية فبينة الإنتفاء لإيذانها بالإمكان وأما التعدد مع الإتحاد في الماهية فكذلك للإفتقار إلى المميز ولا يكون مقتضى الماهية لاتحادهما فيه فيلزم الإمكان ثم المميزان في الطرفين صفتا كمال لأن الإتصاف بما لا كمال فيه نقص فهما ناقصان ممكنان مفتقران في الوجود إلى مكمل خارج هو الواجب بالحقيقة وكذلك الإفتقار في كمال ما للوجود يوجب الإمكان لإيجابه أن يكون فيه أمر بالفعل وأمر بالقوة واقتضائه التركيب والإمكان
ومن هنا قال العلماء : إن واجب الوجود بذاته واجب بجميع صفاته ليس له أمر منتظر ومع الإختلاف في الماهية يلزم أن لا يكون المرجح مرجحا أي لا يكون الإله إلها لأن كل واحد من الممكنات إن استقلا بترجيحه لزم العلتين التامتين على معلول شخصي وهو ظاهر الإستحالة فكونه مرجحا إلها يوجب الإفتقار إليه وكون غيره مستقلا بالترجيح يوجب الإستغناء عنه فيكون مرجحا غير مرجح في حالة واحدة وإن تعاونا فكمثل إذ ليس ولا واحد منهما بمرجح وفرضا مرجحين ما فيه من العجز على الإيجاد والإفتقار إلى الآخر وإن اختص كل واحد منهما ببعض مع أن الإفتقار إليهما على السواء لزم اختصاص ذلك المرجح بمخصص يخصصه بذلك البعض بالضرورة وليس الذات لأن الإفتقار إليهما على السواء فلا أولوية للترجيح من حيث الذات ولا معلول الذات لأنه يكون ممكنا والكلام فيه عائد فيلزم المحال من الوجهين الأولين أعني الإفتقار إلى مميز غير الذات ومقتضاها ولزوم النقص لكل واحد لأن هذا المميز صفة كمال ثم مخصص كل بذلك التمييز هو الواجب الخارج لا هما وإلى المحال الأول الإشارة بقوله تعالى إذا لذهب كل إله بما خلق وهو لازم على تقدير التخالف في الماهية واختصاص كل ببعض وخص هذا القسم لأن ما سواه أظهر استحالة وإلى

الصفحة 59