كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

أنأن كونه عز و جل لايغفر الشرك مخصوص بهذه الأمة وكان قبلهم قد يغفر وفيه بحث وقيل : لأنه كان يخفي الايمان تقية من نمرود ولذلك وعده بالاستغفار فلما تبين عداوته للايمان في الدنيا بالوحي أو في الآخرة تبرأ منه
وقوله على هذا : من الضالين بناء على ما ظهر لغيره من حاله أو معناه من الضالين في كتم إيمانه وعدم اعترافه بلسانه تقية من نمروذ والكلام في هذا المقال طويل وقد تقدم منه فتذكر ولاتخزني بتعذيب أبي ببعثه في عداد الضالين بعدم توفيقه للايمان أو بمعاتبتي على ما فرطت أو بنقص رتبتي عن بعض الوراث أو بتعذيبي
وكيث كانت العاقبة مجهولة وتعذيب من لاذنب له جائز عقلا صح هذا الطلب منه عليه السلام وقيل : يجوز أن يكون ذلك تعليما لغيره وهو من الخزي بمعنى الهوان أو من الخزاية بفتح الخاء بمعنى الحياء يوم يبعثون
78
- أي الناس كافة والاضمار وإن لم يسبق ذكرهم لما في عموم البعث من الشهرة الفاشية المغنية عنه وقيل الضمير للضالين والكلام من تتمة الدعاء لأبيه كأنه قال : لاتخزني يوم يبعث الضالون وأبي فيهم ولايخفى أنه يجوز على الأول أن يكون من تتمة الدعاء لأبيه أيضا واستظهر ذلك لأن الفصل بالدعاء لأبيه بين الدعوات لنفسه خلاف الظاهر وعلى ما ذكر يكون قد دعا لأشد الناس التصاقا به بعد أن فرغ من الدعاء لنفسه
يوم لاينفع مال ولا بنون
88 - بدل من يوم يبعثون جيء به تأكيدا لتهويل ذلك اليوم وتمهيدا لما يعقبه من الاستثناء وهو إلى قوله تعالى إن في ذلك لآية الخ من كلام ابراهيم عليه السلام وابن عطية بعد أن أعرب الظرف بدلا من الظرف الأول قال : إن هذه الآيات عندي منقطعة عن كلام ابراهيم عليه السلام وهي اخبار من الله عز و جل تتعلق بصفة ذلك اليوم الذي طلب ابراهيم أن لايخزيه الله تعالى فيه ولا يخفى عدم صحة ذلك مع البدلية والمراد بالنون معناه المتبادر وقيل : المراد بهم جميع الاعوان وقيل : المعنى يوم لاينفع شيء من محاسن الدنيا وزينتها واقتصر على ذكر المال والبنين لأنهما معظم المحاسن والزينة وقوله تعالى : إلا من أتى الله بقلب سليم
98
- استثناء من أعم المفاعيل و من محل نصب أي يوم لاينفع مال وإن كان مصروفا في الدنيا إلى وجوه البر والخيرات ولا بنون وإن كانوا صلحاء مستأهلين للشفاعة أحدا إلا من أتى الله بقلب سليم عن مرض الفكر والنفاق ضرورة اشتراط نفع كل منهما بالايمان وفي هذا تأييد لكون استغفاره عليه السلام لابيه طلبا لهدايته إلى الايمان لاستحالة طلب مغفرته بعد موته كافرا مع علمه عليه السلام بعدم نفعه لأنه من باب الشفاعة وقيل : هو استثناء من فاعل ينفع ومن في محل رفع بدل منه والكلام على تقدير مضاف إلى من أي لاينفع مال ولا بنون الا مال وبنو من أتى الله بقلب سليم حيث أنفق ماله في سبيل البر وأرشد بنيه إلى الحق وحثهم على الخير وقصد بهم أن يكونوا عبادا لله تعالى مطيعين شفعاء له يوم القيامة وقيل : هو استثناء مما دل عليه المال والبنون دلالة الخاص على العام أعني مطلق الغنى والكلام بتقدير مضاف أيضا كأنه قيل : يوم لاينفع غنى الا غنى من أتى الله بقلب سليم وغناه سلامة قلبه وهو من الغنى الديني وقد أشير اليه في بعض الأخبار
أخرج أحمد والترمذي وابن ماجة عن ثوبان قال : لما نزلت والذين يكنزون الذهب والفضة الآية قال بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم : لو علمنا أي المال خير أتخذناه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أفضله لسان ذاكرا وقلب شاكر وزوجة صالحة تعين المؤمن على ايمانه وقيل : هو استثناء منقطع من مال والكلام أيضا على تقدير مضاف

الصفحة 100