كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

أي لاينفع مال ولا بنون الا حال من أتى الله بقلب سليم والمراد بحاله سلامة قلبه قال الزمخشري : ولابد من تقدير المضاف ولو لم يقدر لم يحصل للاستثناء معنى ومنع ذلك ابو حيان بانه لو قدر مثلا لكن من أتى الله بقلب سليم يسلم أو ينتفع يستقيم المعنى وأجاب عنه في الكشف بأن المراد أنه على طريق الاستثناء من مال لايتحصل المعنى بدون تقدير المضاف وما ذ : ره المانع استدراك من مجموع الجملة إلى جملة أخرى وليس من المبحث في شيء ولما لم يكن هذا مناسبا للمقام جعله الزمخشري مفروغا عنه فلم يلم عليه بوجه وقد جوز أتصال الاستثناء بتقدير الحال على جعل الكلام من باب
تحية بينهم ضرب وجيع
ومثاله أن يقال : هل لزيد مال وبنون فتقول ماله وبنوه سلامة قلبه تريد نفي المال والبنين عنه وإثبات سلامة القلب بدلا عن ذلك هذا وكون المراد من القلب السليم القلب السليم عن مرض الكفر والنفاق هو المأثور عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن سيرين وغيرهم وقال الامام : هو الخالي عن العقائد الفاسدة والميل الى شهوات الدنيا ولذاتها ويتبع ذلك الأعمال الصالحات إذ من علامة سلامة القلب تأثيرها في الجوارح
وقال سفيان : هو الذي ليس فيه غير الله عز و جل وقال الجنيد قدس سره : هو اللديغ من خشية الله تعالى القلق المنزعج من مخافة القطيعة وشاع إطلاق السليم في لسان العرب على اللديغ وقيل : هو الذي سلم من الشرك والمعاصي وسلم نفسه لحكم الله تعالى وسالم أولياءه وحارب أعداءه وأسلم حيث نظر فعرف واستسلم وانقاد لله تعالى وأذعن لعبادته سبحانه والأنسب بالمقام المعنى المأثور وما ذ : ره من تأويلات الصوفية وقال في الكشاف فيما نقل عن الجنيد قدس سره وما بعده : إنه من بدع التفاسير وصدقه أبو حيان بذلك في شأن الأول
وأزلفت الجنة للمتقين
9
- عطف على لاينفع وصيغة الماضي فيه وفيما بعده من الجمل المنتظمة معه في سلك العطف للدلالة على تحقق الوقوع وتقرره كما أن صيغة المضارع في المعطوف عليه للدلالة على الاستمرار وهو متوجه إلى النفع فيدل الكلام على استمرار انتفاء النفع واستمراره حسبما يقتضيه مقام التهويل أي قربت الجنة للمتقين عن الكفر وقيل : عنه وعن سائر المعاصي بحيث يشاهدونها من الموقف ويقفون على ما فيها من فنون المحاسن فيبتهجون بأنهم المحشرون اليها
وبرزت الجحيم للغايون
19
- الضالين عن طريق الحق وهو التقوى والايمان أي جعلت بارزة لهم بحيث يونها مع ما فيها من أنواع الأحوال الهائلة ويتحسرون على أنهم المسوقون اليها وفي اختلاف الفعلين على ماذكره بعض المحققين ترجيح لجانب الوعد لأن التعبير بالازلاف وهو غاية التقريب يشير إلى قرب الدخول وتحققه ولذا قدم لسبق رحمته تعالى بخلاف الابراز وهو الاراءة ولو من بعد فانه مطمع في النجاة كما قيل من العمود إلى العمود فرج وقال ابن كمال في اختلاف الفعلين دلالة على أن أرض الحشر قريبة من الجحيم وحاصله أن الجنة بعيدة من أرض المحشر بعدا مكانيا والنار قريبة منها قربا مكانيا فلذا أسند الأرلاف أي التقريب إلى الجنة دون الجحيم وقيل : ولعله مبني على أن الجنة في السماء وأن النار تحت الأرض وأن تبديل الأرض يوم القيامة بمدها واذهاب كربتها إذ حينئذ يظهر أمر البعد والقرب لكن لايخفى أن كون الجنة في السماء مما يعتقده أهل السنة وليس في ذلك خلاف بينهم يعتد به وأما كون النار تحت الأرض ففيه توقف قال الجلال السيوطي في إتمام الدراية : نعتقد أن الجنة في السماء ونقف عن النار ونقول : محلها حيث

الصفحة 101