كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

لايعلمه إلا الله تعالى فلم يثبت عندي حديث أعتمده في ذلك : وقيل تحت الأرض انتهى وكون ابديل الأرض بمدها وإذهاب كريتها قول لبعضهم واختار الامام القرطبي بعد ان نقل في التذكرة أحاديث كثيرة ان تبديل الأرض بمعنى أن الله سبحانه يخلق أرضا أخرى بيضاء من فضة لم يسفك عليها دم حرام ولا جرى فيها ظلم قط والأولى أن يقال في بعد الجنة وقرب النار من أرض المحشر : إن الوصول الى الجنة بالعبور على الصراط وهو منصوب على متن جهنم كما نطقت به الاخبار فالوصول الى جهنم أولا وسلى الجنة آخرا بواسطة العبور وهو ظاهر في القرب والبعد ثم أن ظاهر الآية يقتضي أن الجنة تنقل عن مكانها اليوم يوم القيامة إد التقريب يستدعي النقل وليس في الأحاديث على مانعلم ما يدل على ذلك نعم جاء فيها ما يدل على نقل النار
ففي التذكرة أخرج مسلم عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف رمام مع كل زمام سبعون ألف ملك والظأهر أن معنى يؤتى بها يجاء بها من المحل الذي خلقها الله تعالى فيه وقد صرح بذلك في التذكرة وقال أبو بكر الرازي في أسئلته فان قيل : قال الله تعالى وأزلفت الجنة للمتقين أي قربت والجنة لاتنتقل عن مكانها ولا تحول قلنا : معناه وأزلفت المتقون إلى الجنة وهذا كما يقال الحاج إذا دنوا إلى مكة قربت مكة منا وقيل : معناه أنها كانت محجوبة عنهم فلما رفعت الحجب بينها وبينهم كان ذلك تقريبا انتهى ويرد على ألاخير أنه يمكن أن يقال مثله في الجحيم وحينئذ يسئل عن وجه اختلاف الفعلين ويرد على القول بأن الجنة لاتنتقل عن مكانها أنه خلاف ظاهر الآية ولا يلزم لصحة القول به نقل حديث يدل على نقلها يومئذ فلا مانع من القول به وتفويض الكيفية إلى علم من لايعجزه شيء وهو بكل شيء عليم وإذا أريد التأويل فليكن ذلك بحمل التقريب على التقريب بحسب الرؤية وإن لم يكن هناك نقل فقد يرى الشيء قريبا وإن كان في نفس الأمر في غاية البعد كما يشاهد ذلك في النجوم وقد يقرب البعيد في الرؤية بواسطة المناظر والآلات الموضوعة لذلك وقد ينعكس الحال بواسطتها أيضا فيرى القريب بعيدا ومتى جاز وقوع ذلك بواسطة الآلات في هذه النشأة جاز أن يقع في النشأة الأخرى بما لايعلمه إلا اللطيف الخبير فتأمل والله تعالى أعلم
وقرأ الأعمش وبرزت بالفتح والتخفيف والجحيم بالرفع على الفاعلية وقيل لهم أين ما كنتم في الدنيا تعبدون
29
- استمرون على عبادته من دون الله أي أين آلهتكم الذين كنتم تزعمون أنهم شفعاؤكم في هذه الموقف هل ينصرونكم بدفع ما تشاهدون من الجحيم وما فيها من العذاب أو ينتصرون
39
- بدفع ذلك عن أنفسهم وهذا سؤال تقريع لايتوقع له جواب ولذلك قيل : فكبكبوا فيها أي القوا في الجحيم على وجوههم مرة بعد أخرى إلى أن يستقروا في قعرها فالكبكبة تكرير الكب وهو مما ضوعف فيه الفاء كما قال الزجاج وجمهور البصريين وذهب الكوفيون إلى أن الثالث بدل من مثل الثاني فأصل كبكب عندهم كبب فابدل من الباء الثانية كاف وضمير الجمع لما يعبدون من دون الله وهم الاصنام وأكد بالضمير المنفصل أعنى هم وكلا الضميرين للعقلاء واستعملا

الصفحة 102