كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

المراد بهم ذلك مروي عن مقاتل وفي ارشاد العقل السليم انه بيان لسبب ضلالهم بعد اعترافهم بصدوره عنهم والمراد بالمجرمين رؤساؤهم وكبراؤهم وفي قوله تعالى ربنا انا أطعنا ساداتنا وكبراءنا فاضلونا السبيلا وعن السدي هم الأولون الذين اقتدوا بهم وقيل : من دعاهم إلى عبدة الأصنام من الجن والانس وعن ابن جريج أنهم ابليس وابن آدم القاتل لأنه أول من سن القتل والمعاصي والقصر قيل بالنسبة الى الأصنام ولعلهم أرادوا بنفي الاضلال عنها اهانتها بأنها لاقدرة لها وفيه تأكيد لكونهم في ضلال مبين ولعل الأولى كونه قصرا حقيقيا بادعاء أنهم الأوحديون في سببية الاضلال حتى أن سببية غيرهم له كلا سببية وهذا واضح في الشياطين لأن اضلال غيرهم من الكبرياء ونحوهم بواسطة اضلالهم لأنهم الذين يزينون الباطل للمتبوع والتابع ويمكن أن يعتبر في غيرهم بضرب من التأويل وذلك اذا أريد بالمجرمين غيرهم ثم ان المشركين لايزالون في حيرة يوم القيامة لايدرون بم يتشبثون فلا يضر اسنادهم الاضلال تارة الى شيء وأخرى الى غيره على ان الاسناد الى كل باعتبار هذا
وجوز أن يكون الاختصام بين العبدة بعضهم مع بعض والخطاب في نسويكم للاصنام من غير التزام القول بجعلهم أهلا له بل هو كخطاب المضطر للحجر والشجر وفيه مبالغة في التحسر والندامة والمعنى أن العبدة مع تخاصم بعضهم مع بعض بأن يقول أحدهم للآخر : أنت مبدأ ضلالي ولولا أنت لكنت مؤمنا اعترفوا بجرمهم وتعجبوا وبينوا سببه وجوز أيضا أن يكون من الأصنام ينطقهم الله تعالى فيخاصمون العبدة فضميرهم هم عائد عليهم والمعنى قال العبدة معترفين بضلالهم متعجبين منه مبينين سببه : ان كنا الخ والحال ان الأصنام يخاصمونهم قائلين : نحن جمادات متبرئون عن جميع المعاصي وأنتم اتخذتمونا ءالهة فالقيتمونا في هذه الورطة وهدا كله على تقدير كون جملة قالوا مستأنفة كما هو الظاهر وجوز أن يكون جنود ابليس مبتدأ وجملة قالوا الخ خبره وضمير قالوا وكذا ما بعده عائد عليه
وأنت تعلم أنه مع كونه خلاف الظاهر لايتسنى على تقدير أن يراد بجنود ابليس الشياطين لما أن المقول المذكور لايصح أن يكون وإذا أريد بهم متبعه من عصاة الثقلين عبدة الاصنام وغيرهم يرد أن المقول المذكور قول فرقة منهم وهي العبدة فاسناده الى الجميع خلاف الظاهر ويبعد كل البعد بل لو قيل بفساده لم يبعد احتمال كون كل شخص سواء كان من عبدة الأصنام أو غيره يخاصم مع كل من يصادفه من غير صلاحية الآخر للاختصام ويقول ما ذكر للأصنام لغاية الحيرة والضجرة نعم لو أريد بجنود ابليس على تقدير كونه مبتدأ للاختصام ويقول ما ذكر للأصنام لغاية الحيرة والضجرة نعم لو أريد بجنود ابليس على تقدير كونه مبتدأ ورجوع الضمائر اليه الغاوون بعينهم وتكون الاضافة للعهد والتعبير عنهم بهذا العنوان بعد التعبير عنهم العنوان السابق لتذليلهم لم يبعد جدا ومن الناس من جوز الابتدائية والخبرية المذكورتين وفسر الجنود باعصاة مطلقا وجعل ضمير قالوا للغوون وضمير هم ويختصمون للجنود أو للأصنام وفيه مع خروج الآية عليه عن حسن الانتظام مالايخفى على ذوي الأفهام
وقوله تعالى فمالنا شافعين
1
- ولا صديق حميم
101
- مرتب على ما اعترفوا به من عظم الجناية وظهور الضلالة والمراد المتلهف والتأسف على فقد شفيع يشفع لهم مما هم فيه أو صديق شفيق يهمه ذلك وقد ترقوا لمزيد انحطاط حالهم في التأسف حيث نفوا أولا أن يكون لهم من ينفعهم في تخليصهم من العذاب بشفاعته

الصفحة 104