كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

يجوزون بعض أصنافها كالشفاعة في زيادة الدرجات في الجنة لكن لايخلو عن بعد والله تعالى أعلم و لو في قوله تعالى فلو أن لنا كرة مستعملة في التمني بدليل نصب قوله سبحانه فنكون من المؤمنين
201
- في جوابها وأصلها لو الامتناعية وحيث أن التمني يكون لما يمتنع أريد أريد بها ذلك مجازا مرسلا أو استعارة تبعية ثم شاع حتى صارت كالحقيقة في ذلك وقيل : هي حقيقة فيما ذكر وقيل : أصلها المصدرية وليس بشيء
والمعنى فليت لنا رجعة إلى الدنيا فان نكون من المؤمنين فلا ينالنا إذا متنا فبعثنا مثل ما نحن فيه من العذاب الذي لاينفع فيه أحد وجوز كون لو شرطية وجوابها محذوف والتقدير لفعلنا من الخيرات كيت وكيت أو لخلصنا من العذاب أو لكان لنا شفعاء وأصدقاء أو ما أضلنا المجرمون والتقدير الأول أجزل ويقدر المحذوف بعد فنكون الخ لأن المصدر المتحصل منه معطوف على كرة أي فلو أن لنا كرة فنكونا من المؤمنين لفعلنا الخ
وتعقب شيخ الاسلام ذلك بأنه إنما يفيد تحقق مضمون الجواب على تقدير تحقق كرتهم وإيمانهم معا من غير دلالة على استلزام الكرة للايمان أصلا مع أن المقصود حتما وفي قوله : من غير دلالة الخ بحث على ما قيل حيث يمكن أن يقال : حاصل الآية إن تيسر لنا الرجعة والايمان المتعقب إياها لفعلنا من عبادات أهل الأيمان ما يقصر عنه العبارة والتزام ثمرات الايمان التزام للايمان أولا ومقصودهم بيان استلزام الرجعة لفعل الخيرات كلها وأما نفس الايمان بعد هذه المشاهدة فلا يحتاج إلى البيان
وقال بعض الناس : إن قولهم فنكون من المؤمنين بمعنى فنكون من المقبول ايمانهم وقبول الله تعالى إيمانهم لايترتب على رجعتهم البتة بل يجوز أن يتخلف فلابد أن يكون مرادهم ان تيسر لنا الرجعة وان قبل ايماننا لفعلنا الخ فليس المقصود الدلالة على استلزام الكرة للايمان كما زعم شيخ الاسلام ونوقش فيه بان تيسر الرجعة إنما يكون لرحمة الله تعالى وعفوه وهي تستلزم قبول ايمانهم والحق أنه لاينبغي الالتفات الى احتمال شرطية لو والتكلف له مع جزالة المعنى الأظهر المتبادر والكلام في قوله تعالى : إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين
301
- وإن ربك لهو العزيز الرحيم
401
- قد تقدم آنفا فلا حاجة الى اعادته وقد علمت مختارنا في ذلك فتذكر فما في العهد من قدم ولشيخ الاسلام كلام في هذه الآية لايخفى ما فيه على المتأمل فتأمل كذبت قوم نوح المرسلين
501
- القوم كما في المصباح يذكر ويؤنث وكذلك كل أسم جمع ولا واحد له من لفظه نحو رهط ونفر ولذا يصغر على قويمة وقيل : هو مذكر ولحقت فعله علامة التأنيث على إرادة الأمة والجماعة منه تكذيبهم المرسلين باعتبار إجماع الكل على التوحيد وأصول الشرائع التي لاتختلف باختلاف الأزمنة والاعصار وجوز أن يراد بالمرسلين نوح عليه السلام بجعل اللام للجنس فهو نظير قولك : فلان يركب الدواب ويلبس البرود وماله إلا دابة واحدة وبرد واحد و إذ في قوله تعالى : إذ قال لهم ظرف للتكذيب على أنه عبارة عن زمان مديد وقع فيه ما وقع من الجانبين الى تمام الأمر كما أن تكذيبهم عبارة عما ثدر منهم حين ابتداء دعوته عليه السلام الى انتهائها وزعم بعضهم أن إذ للتعليل أي كذبت لأجل أن قال لهم : أخوهم نوح أي نسيبهم كما يقال : يا أخا العرب ويا أخا تميم وعلى ذلك قوله :

الصفحة 106