كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

قد يدرك المجد الفتى ورداؤه خلق وجيب قميصه مرقوع وكذا خسة الصناعة لاتزري بالشرف الأخروي ولا تلحق التقى نقيصة عند الله عز و جل وقد أنشد أبو العتاهية : وليس على عبد تقي نقيصة إذا صحح التقوى وإن حاك أو حجم ومثلها صفة النسب فقد قيل : أبي الاسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم وما ذ : ره الفقهاء من باب الكفاءة مبني على عرف العامة لانتظام أمر المعاش ونحوه على أنه روي عن الامام مالك عدم اعتبار شيء من ذلك أصلا وأن المسلمين كيفما كانوا أكفاء بعضهم لبعض وأل على هذه الاقوال للعهد
والجواب بما ذكر عما أشاروا اليه بقولهم ذلك من أن إيمانهم لم يكن عن نظر وبصيرة وإنما كان لحظ نفساني كحصول شوكة بالاجتماع ينتظمون بها في سلك ذوي الشرف ويعدون بها في عدادهم وحاصله وما وظيفتي الا اعتبار الظواهر دون الشق عن القوب والتفتيش عما في السرائر فما يضرني عدم اخلاصهم في ايمانهم كما تزعمون وجوز أن يقال : إنهم لما قالوا واتبعك الارذلون وعنوا الذين لانصيب لهم من الدنيا أو الذين اتضعت انسابهم أو كانوا من أهل الصنائع الدنيئة تغابى عليه السلام عن مرادهم وخيل لهم أنهم عنوا بالارذلين من لا اخلاص له في العمل ولم يؤمن عن نظر وبصيرة فأجابهم بما ذكر كأنه ما عرف من الأرذلين إلا ذلك ولو جعل هذا نوعا من الاسلوب الحكيم لم يبعد عندي وفيه من لطف الرد عليهم وتقبيح ما هم عليه ما لايخفى وزعم بعضهم أنهم عنوا بالارذلين نساءه عليه السلام وبنيه وكناته وبني بنيه واسترذالهم لعضة النسب لايتصور في جميعهم حقيقة كما لايخفى فلابد عليه من اعتبار التغليب ونحوه وقرأ الأعرج وأبو زرعة وعيسى بن عمر الهمداني يشعرون بباء الغيبة وقوله تعالى وما أنا بطارد المؤمنين
411
- جواب عما أوهمه كلامهم من استدعاء طردهم وتعليق إيمانهم بذلك حيث جعلوا اتباعهم مانعا عنه وقد نزلوا لذلك منزلة من يدعي أنه عليه السلام ممن يطرد المؤمنين وأنه ممن يشترك معه فيه فقدم المسند اليه وأولى حرفي النفي لافادة أن ذلك ليس شأنه بل شأن المخاطبين
وجوز أن يكون التقديم للتقوى وهو أقل مؤنة كما لايخفى وقيل : انهم طلبوا منه عليه السلام طردهم فاجابهم بذلك كما طلب رؤساء قريش من رسول الله صلى الله عليه و سلم طرد من آمن به من الضعفاء فنزلت ولاتطرد الذين يدعون ربهم الآية وقوله تعالى إن أنا إلا نذير مبين
511
- كالعلة أي ما أنا إلا رسول مبعوث لانذار المكلفين وزجرهم عما لايرضيه سبحانه وتعالى سواء كانوا من الأشرفين أو الأرذلين فكيف يتسنى لي طرد من زعمتم أنهم أرذلون
وحاصله أنا مقصور علئ انذار المكلفين لا اتعداه إلى طرد الارذلين منهم أو ما علي إلاانذاركم بالبرهان الواضح وقد فعلته وما علي استرضاء بعضكم بطرد الآخرين وحاصله أنا مقصور علي انذاركم لااتعداه إلى استرضائكم
وقيل : إن مجموع الجملتين جواب وإن ايلاء الضمير حرف النفي يدل على أنهم زعموا أنه عليه السلام موصوف بصفتين إحداهما اتباع أهوائهم بطرد المؤمنين لأجل أن يؤمنوا وثانيتهما أنه نذير مبين فقصر الحكم على الثاني دون الأول ولا يخلو عن بحث قالوا لئن لم تنته يا نوح عما أنت عليه لتكونن من المرجومين
611
- أي المرميين بالحجارة كما روي عن قتادة وهو توعد بالقتل كما روي عن الحسن وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي أن المعنى من المشتومين على أن الرجم مستعار للشتم كالطعن وفي ارشاد العقل السليم أنهم قاتلهم

الصفحة 108