كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

الجسد 121121 الجالجسد
121121 - وقد يقال : لما كان له صلى الله عليه و سلم جهتان جهة ملكية يستفيض بها وجهة بشرية يفيض بها جعل الانزال على روحه صلى الله عليه و سلم لأنها المتصفة بالصفات الملكية التي يستفيض بها من الروح الأمين
وللاشارة الى ذلك قيل على قلبك دون عليك الأخصر وقيل : إن هذا لأن القرآن لم ينزل في الصحف كغيره من الكتب وأما العضو المخصوص وهو الاطلاق المشهور وتخصيصه بالانزال عليه قبل للاشارة إلى كمال تعقله صلى الله عليه و سلم وفهمه ذلك المنزل حيث لم تعتبر واسطة في وصوله إلى القلب الذي هو محل العقل كما يقتضيه ظاهر كثير من الآيات والأحاديث ويشهد له العقل على مالا يخفى على من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد وقد أطال في الانتصار لذلك الامام في تفسيره
ورد على من ذهب إلى أن الدماغ محل العقل وقيل : للاشارة إلى صلاح قلبه عليه الصلاة و السلام وتقدسه حيث كان منزلا لكلامه تعالى ليعلم منه حال سائر أجزائه صلى الله عليه و سلم فان القلب رئيس جميع الأعضاء وملكها ومتى صلح صلحت الرعية وفي الحديث ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب وقد يقال : يجوز أن يكون التخصيص لأن الله تعالى جعل لقلب رسوله صلى الله عليه و سلم سمعا مخصوصا يسمع به ما ينزل عليه من القرشن تمييزا لشأنه على سائر ما يسمعه ويعيه على حد ما قيل وذكره النووي في شرح صحيح مسلم في قوله تعالى ماكذب الفؤاد ما رأى من أن الله عز و جل جعل لفؤاده عليه الصلاة و السلام بصرا فرآه به سبحانه ليلة المعراج وهذا كله على القول بأن جبرائيل عليه السلام ينزل بالالفاظ القرآنية المحفوظة بعد أن نزل القرآن جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة أو التي يحفظها من اللوح عند الأمر بالانزال أو التي يوحى بها اليه أو التي يسمعها منه سبحانه على ما قاله بعض أجلة السلف عنده فيلقيها إلى النبي صلى الله عليه و سلم على ما هي عليه من غير تغيير أصلا وكذا على القول بأن جبرائيل عليه السلام ألقى عليه المعاني القرآنية وأنه عبر عنها بهذه الالفاظ العربية ثم نزل بها كذلك فالقاها إلى النبي صلى الله عليه و سلم وأما القول بانه عليه السلام إنما نزل بالمعاني خاصة إلى النبي عليه الصلاة و السلام وأنه عليه الصلاة و السلام علم تلك المعاني وعبر عنها بلغة العرب فقيل : إن القلب بمعنى العضو المخصوص لاغير وتخصيصه لأن المعاني إنما تدرك بالقوة المودعة فيه وقيل : يجوز أن يراد به الروح وروحه عليه الصلاة و السلام لغاية تقدسها وكمالها في نفسها تدرك المعاني من غير توسط آلة ومن الناس من ذهب إلى هدا القول وجعل الآية دليلا له وهو قول مرجوح ومثله القول بأن جبريل عليه السلام القى عليه المعاني فعبر عنها بالفاظ فنزل بما عبر هو به والقول الراجح أن الألفاظ منه عز و جل كالمعاني لامدخل لجبرائيل عليه السلام فيها أصلا وكان النبي صلى الله عليه و سلم يسمعها ويعيها بقوى إلهية قدسية لاكسماع البشر إياها منه عليه الصلاة و السلام وتنفعل عند ذلك قواه البشرية ولهذا يظهر على جسده الشريف صلى الله عليه و سلم ما يظهر ويقال ذلك : برحاء الوحي حتى يظن في بعض الاحايين أنه أغمى عليه عليه الصلاة و السلام وقد يظن أنه صلى الله عليه و سلم أغفى
وعلى هذا يخرج مارواه مسلم عن أنس قال : بينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه مبتسما فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله فقال : أنزل علي آنفا سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر ولا يحتاج من قال الأشبه

الصفحة 121