كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

أن القرآن كله نزل في اليقظة إلى تأويل هذا الخبر بأنه عليه الصلاة و السلام خطر له في تلك الاغفاءة سورة الموثر التي نزلت قبلها في اليقظة أو عرض عليه الكوثر الذئ أنزلت فيه السورة فقرأها عليهم ثم أنه على ما قيل من أن بعض القرآن نزل عليه عليه الصلاة و السلام وهو نائم استدلالا بهذا الخبر يبقى ما قلناه من سماعه عليه الصلاة و السلام ما ينزل اليه صلى الله عليه و سلم ووعيه إياه بقوى الهية قدسية ونومه عليه الصلاة و السلام لايمنع من ذلك كيف وقد صح عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : تنام عيني ولا ينام قلبي
وقال بعض المتصدرين في محافل الحكمة المتأخرين في بيان كيفية نزول الكلام وهبوط الوحي من عند الله تعالى بواسطة الملك على قلب النبي صلى الله عليه و سلم أن الروح الانساني إدا تجرد من البدن وخرج عن وثاقه من بيت قالبه وموطن طبعه مهاجرا إلى ربه سبحانه لمشاهدة آياته الكبرى وتطهر عن درن المعاصي واللذات والشهوات والوساوس العادية والمتعلقات لاح له نور المعرفة والايمان بالله تعالى وملكوته الاعلى وهذا النور إذا تأكد وتجوهر كان جوهرا قدسيا يسمى في لسان الحكمة النظرية بالعقل الفعال وفي لسان الحكمة النظرية بالعقل الفعال وفي لسان الشريعة النبوية بالروح القدسي وبهذا النور الشديد العقلي يتلألأ فيه اسرار ما في الأرض والسماء ويتراءى منه حقائق الأشياء كما يتراءى بالنور الحسي البصري الاشباح المثالية في قوة البصر إذا لم يمنع حجاب والحجاب ههنا هو آثار الطبيعة وشواغل هذه الاولى فاذا عريت النفس عن دواعي الطبيعة والاشتغال بما تحتها من الشهوة والغضب والحس والتخيل وتوجهت بوجهها شطر الحق وتلقاء عالم الملكوت الاعلى اتصلت بالسعادة القصوى فلاح لها سر الملكوت وانعكس عليها قدس اللاهوت ورأت عجائب آيات الله تعالى الكبرى ثم ان هذه الروح إدا كانت قدسية شديدة القوى قوية الآثار لقوة اتصالها بما فوقها فلا يشغلها شأن عن شأن ولايمنعها جهة فوقها عن جهة تحتها فتضبط الطرفين وتسع قوتها الجانبين لشدة تمكنها في الحد المشترك بين الملك والملكوت كالارواح الضعيفة التي إذا مالت إلى جانب غاب عنها الجانب الآخر وإذا ركنت إلى مشعر من المشاعر ذهلت عن المشعر الآخر وإذا توجهت هذه الروح القدسية التي لايشغلها شأن عن شأن ولاتصرفها نشأة عن نشأة وتلقت المعارف الالهية بلا تعلم بشري بل من الله تعالى يتعدى تأثيرها إلى قواها ويتمثل لروحه البشري صورة ما شاهده بروحه القدسي وتبرز منها إلى الظاهر الكون فتتمثل للحواس الظاهرة سيما السمع والبصر لكونهما أشرف الحواس الظاهرة فيرى ببصره شخصا محسوسا في غاية الحسن والصبحاة ويسمع بسمعه كلاما منظوما في غاية الجودة والفصاحة فالشخص هو الملك النازل باذن الله تعالى الحامل للوحي الالهي والكلام هو كلام الله تعالى وبيده لوح فيه كتاب هو كتاب الله تعالى وهذا الأمر المتمثل بما معه أو فيه ليس مجرد صورة خيالية لاوجود لها في خارج الذهن والتخيل كما يقوله من لاحظ له من علم الباطن ولا قدم له في أسرار الوحي والكتاب كبعض أتباع المشائين معاذ الله تعالى عن هذه العقيدة الناشئة عن الجهل بكيفية الانزال والتنزيل ثم قال : إنارة قلبية واشارة عقلية عليك أن تعلم أن للملائكة ذوات حقيقية وذوات إضافية مضافة إلى مادونها اضافة النفس إلى البدن الكائن في النشأة الآخرة فاما ذواتها الحقيقية فانما هي أمرية قضائية قولية وأما ذؤاتها الاضافية فانما هي خلقية قدرية تنشأ منها الملائكة اللوحية وأعظمهم اسرافيل عليه السلام وهؤلاء الملائكة اللوحية يأخذون الكلام الالهي والعلوم اللدنية من الملائكة القلمية ويثبتونها في صحائف الواحهم القدرية الكتابية وإنما كان

الصفحة 122