كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

المكابرة كأنه قيل : ولو نزلناه بهذأ النظم الرائق المعجز على من لايقدر على التكلم بالعربية او على ماليس من شأنه التكلم أصلا من الحيوانات العجم فقرأه عليهم صحيحة خارقة للعادة ما كانوا به مؤمنين
991
- مع انظمام إعجاز القراءة إلى إعجاز المقروء وقيل : المراد بالاعجمين جمع أعجم أعم من أن يكون عاقلا أو غيره ونقل ذلك الطبرسي عن عبد الله بن مطيع وذكر أنه روي عن ابن مسعود أنه سئل عن هذه الآية وهو على بعير فأشار اليه وقال : هذا من الأعجمين والطبري على ما في البحر يروي نحو هذا عن ابن مطيع والمراد أيضا بيان فرط عنادهم وقيل : هو جمع أعجم مرادا به مالا يعقل وضمير الفاعل في قرأه للنبي صلى الله عليه و سلم وضمير عليهم لبعض الأعجمين وكذأ ضمير كانوا والمعنى لو نزلنا هذا القرءان على بعض البهائم فقرأه محمد صلى الله عليه و سلم على أولئك البهائم ما كانوا أي أولئك البهائم مؤمنين به فكذلك هؤلاء لأنهم كالانعام بل هم أضل سبيلا ولا يخفى ما فيه وقيل : المراد ولو نزلناه على بعض الأعجمين بلغة العجم فقراه عليهم ماكانوا به مؤمنين لعدم فهمهم ما فيه وأخرج ذلك عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة وهو بعيد عما يقتضيه مقام بيان تماديهم في المكابرة والعناد واستند بعضهم بالآية عليه في منع أخذ العربية في مفهوم القرءان إذ لايتصور على تقدير أخذها فيه تنزيله بلغة العجم إذ يستلزم ذلك كون الشيء الواحد عربيا وعجميا وهو محال
وأجيب بأن ضمير نزلناه ليس راجعا إلى القرءان المخصوص المأخوذ في مفهوم العربية بل إلى مطلق القرآن ويراد منه ما يقرأ أعم من أن يكون عربيا أو غيره وهذا نحو رجوع الضمير للعام في ضمن الخاص في قوله تعالى : مايعمر من معمر ولاينقص من عمره الآية فان ضمير عمره راجع إلى شخص بدون وصفه بمعمر إذ لايتصور نقص عمر المعمر كما لايخفى
وقال بعضهم في الجواب : إن الكلام على حذف مضاف والمراد ولو نزلنا معناه بلغة العجم على بعض الأعجمين فتدبر وفي لفظ بعض على كل الأقوال إشارة إلى كون ذلك المفروض تنزيله عليه واحدا من عرض تلك الطائفة كائنا من كان به متعلق بمؤمنين ولعل تقديمه عليه للاهتمام وتوافق رؤس الآي
والضمير في قوله تعالى : كذلك سلكناه في قلوب المجرمين
2
- على ما يقتضيه انتظام الضمائر السابقة واللاحقة في سلك واحد للقرءان واليه ذهب الرماني وغيره والمعنى على ما قيل مثل ذلك السلك البديع المذكور سلكناه أي أدخلنا القرآن في قلوب المجرمين ففهموا معانيه وعرفوا فصاحته وأنه خارج عن القوى البشرية وقد أنضم اليه علم أهل الكتابين بشأنه وبشارة الكتب المنزلة بانراله فقوله تعالى : لايؤمنون به جملة مستأنفة مسوقة لبيان أنهم لايتأثرون بامثال تلك الأمور الداعية الى الايمان به بل يستمرون على ماهم عليه حتى يروا العذاب الأليم
102
- الملجيء الى الايمان به وحينئد لاينفعهم ذلك
والمراد بالمجرمين المشركون الذين عادت عليهم الضمائر من لهم وعليهم وكانوا وعدل عن ضميرهم الى ما ذكر تأكيدا لذمهم وقال الزمخشري في معنى ذلك : أي مثل هذا السلك سلكناه في قلوبهم وهكذا مكناه وقررناه فيها وعلى مثل هذه الحال وهذ الصفة من الكفر به والتكذيب له وضعناه فيها فكيف ما فعل بهم وصنع وعلى أي وجه دبر أمرهم فلا سبيل إلى أن يتغيروا عماهم عليه من جحوده وانكاره كما قال سبحانه ولو نرلنا

الصفحة 128