كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين وموقع قوله تعالى لايؤمنون بهالخ مما قبله موقع الموضح والملخص لأنه مسوق لثباته مكذبا مجحودا في قلوبهم فاتبع ما يقرر هذا المعنى من أنهم لايزالون على التكذيب به وجحوده حتى يعاينوا الوعيد ويجوز أن يكون حالا أي سلكناه فيها غير مؤمن به اه
وتعقب بان الأول هو الانسب بمقام بيان غاية عنادهم ومكابرتهم مع تعاضد أدلة الايمان وتناجد مبادي الهداية والارشاد وانقطاع أعذارهم بالكلية وقد يقال : إن هذا التفسير أوفق بتسليته صلى الله عليه و سلم التي هي كالمبنى لهذه السورة الكريمة وبها صدرت حيث قال سبحانه : لعلك باخع نفسك أن لايكونوا مؤمنين كأنه جل وعلا بعد أن ذكر فرط عنادهم وشدة شكيمتهم في المكابرة وهو تفسير واضح في نفسه فهو عندي أولى مما تقدم
وفي المطلع أن الضمير للتكذيب والكفر المدلول عليه بقوله تعالى : ماكانوا به مؤمنين وبه قال يحيى بن سلام وروي عن ابن عباس والحسن والمعنى وكذلك سلكنا التكذيب بالقرآن والكفر به في قلوب مشركي مكة ومكناه فيها وقوله تعالى لايؤمنون الخ واقع موقع الايضاح لذلك ولا يظهر على هذا الوجه كونه حالا ولا أرى لهذا المعنى كثرة بعد عن قول من قال أي على مثل هذا السلك سلكنا القرآن وعلى مثل هذه الحال وهذه الصفة من الكفر به والتكذيب له وضعناه في قلوبهم وحاصل الأول كذلك سلكنا التكذيب بالقرآن في قلوبهم
وحاصل هذا وكذلك سلكنا القرآن بصفة التكذيب به في قلوبهم فتأمل وجوز جعل الضمير للبرهان الدال عليه قوله تعالى : أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني اسرائيل وهو بعيد لفظا ومعنى هذا وذهب بعضهم إلى أن المراد بالمجرمين غير الكفرة المتقدمين الذين عادت عليهم الضمائر وهم مشركو مكة من المعاصرين لهم وممن يأتي بعدهم وذلك اشارة إلى السلك في قلوب اولئك المشركين أي مثل ذلك السلك في قلوب مشركي مكة سلكناه في قلوب المجرمين غيرهم لاشتراكهم في الوصف وقوله سبحانه : لايؤمنون به الخ بيان لحال المشركين المتقدمين الذين اعتبروا في جانب المشبه به أو ايضاح لحال المجرمين وبيان لما يقتضيه التشبيه وهو كما ترى ونقل في البحر عن ابن عطية أنه أريد مجرمي كل أمة أي إن سنة الله تعالى فيهم انهم لايؤمنون حتى يروا العذاب فلا ينفعهم الايمان بعد تلبس العذاب بهم وهذا على جهة المثال لقريش أي هؤلاء كذلك وكشف الغيب بما تضمنته الآية يوم بدر انتهى وكأنه جعل ضمير سلكناه لمطلق الكفر لا للكفر بالقرآن وضمير به لله تعالى أو لما أمروا بالايمان به للقرآن والا فلا يكاد يتسنى ذلك وعلى كل حال لاينبغي أن يعول عليه
فيأتيهم أي العذاب بغتة أي فجأة وهم لايشعرون
202
- أي باتيانه فيقولوا أي تحسروا على ما فات من الايمان وتمنيا للامهال لتلافي ما فرطوه هل نحن منظرون
302
- أي مؤخرون والفاء في الموضعين عاطفة وهي كما يدل عليه كلام الكشاف للتعقيب الرتبي دون الوجودي كأنه قيل : حتى يكون رؤيتهم للعذاب الأليم فما هو أشد منها وهو مفاجأته فما هو أشد منه وهو سؤالهم النظرة نظير ما في قولك إن أسأت مقتك الصالحون فمتك الله تعالى فلا يرد أن البغت من غير شعور لايصح تعقبه للرؤية في الوجود وقال سري الدين المصري عليه الرحمة في توجيه ما تدل عليه الفاء من التعقيب : إن رؤية العذاب تكون تارة بعد تقدم

الصفحة 129