كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

وفلةوفلة كناية عن نكرة من يعقل فالأول بمعنى رجل والثاني بمعنى امرأة ووهم ابن عصفور وابن مالك وصاحب البسيط كما في البحر في قولهم : فل كناية عن العلم كفلان ويختص بالنداء إلا ضرورة كما في قوله :
في لجة أمسك فلان عن فل
وليس مرخم فلان خلافا للفراء واختلفوا في لام فل وفلان فقيل واو قيل : ياء وكنو بهن بفتح الهاء وتخفيف النون عن اسماء الأجناس كثيرا وقد كني به عن الاعلام كما في قوله : والله أعطاك فضلا عت عطيته على هن وهن فيما مضى وهن فانه على ما قال الخفاجي أراد عبد الله وابراهيم وحسنا والخليل من الخلة بضم الخاء بمعنى المودة أطلق عليها ذلك إما لأنها تتخلل النفس أي تتوسطها وأنشد : قد تخللت مسلك الروح مني وبه سعى الخليل خليلا وإما لأنها تخلها فتؤثر فيها تأثير السهم في الرمية وإما لفرط الحاجة اليها وهذا التمني وإن كان مسوقا لابراز الندم والحسرة لكنه متضمن لنوع تعلل واعتذار بتوريك جنايته إلى الغير وقوله تعالى : لقد أضلني عن الذكر تعليل لتمنيه المذكور وتوضيح لتعلله وتصديره باللام القسمية للمبالغة في بيان خطئه وإظهار ندمه وحسرته أي والله لقد أضلني فلان عن ذكر الله تعالى أو عن موعظة الرسول عليه الصلاة و السلام أو عن كلمة الشهادة أو عن القرآن بعد إذ جاءني أي وصل إلي وعلمته أو تمكنت منه فلادلالة في الآية على ايمان من أنزلت فيه ثم ارتداده وكان الشيطان للانسان خذولا
92
- مبالغا في الخذلان وهو ترك المعاونة والنصرة وقت الحاجة ممن يظن فيه ذلك والجملة اعتراض مقرر لمضمون ما قبله إما من جهته تعالى أو من تمام كلام الظالم على أنه سمي خليله شيطانا بعد وصفه بالاضلال الذي هو أرخص الأوصاف الشيطانية أو على أنه أراد بالشيطان ابليس لأنه الذي حمله على مجالسة المضلين ومخالفة الرسول الهادي عليه الصلاة و السلام بوسوسته واغوائه فان وصفه بالخذلان يشعر بأنه كان يعده في الدنيا ويمنيه بأن ينفعه في الآخرة وهو أوفق الحال ابليس عليه اللعنة
وقال الرسول عطف على قوله تعالى : وقال الذين لايرجون لقاءنا الخ وما بينهما اعتراض مسوق لاستعظام ماقالوه وبيان ما يحيق بهم من الأهوال والخطوب والمراد بالرسول نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم وشرف وعظم وكرم وإيراده عليه الصلاة و السلام بعنوان الرسالة لتحقيق الحق والرد على نحورهم حيث كان ما حكي عنهم قدحا في رسالته صلى الله عليه و سلم أي قالوا كيت وكيت وقال الرسول إثر ما شاهد منهم غاية العتو ونهاية الطغيان بطريق البث إلى ربه عز و جل والشكوى عليهم يا رب إن قومي الذين حكى عنهم ما حكى من الشنائع أتخذوا هذا القرآن الجليل الشأن المشتمل على ما فيه صلاح معاشهم ومعادهم مهجورا
3
- أي متروكا ولم يؤمنوا به ولم يرفعوا اليه رأسا ولم يتأثروا بوعيده ووعده فمهجورا من الهجر بفتح الهاء بمعنى الترك وهو الظاهر وروي ذلك عن مجاهد والنخعي وغيرهما واستدل ابن الفرس بالآية على كراهة هجر المصحف وعدم تعاهده بالقراءة فيه وكان ذلك لئلا يندرج من لم يتعاهد القراءة فيه تحت ظاهر

الصفحة 13