كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

أماراته وظهور مقدماته ومشاهدة علاماته وأخرى بغتة لايتقدمها شيء من ذلك فكانت رؤيتهم العذاب محتاجة إلى التفسير فعطف عليها بالفاء التفسيرية قوله تعالى : يأتيتهم بغتة وصح بينهما معنى التعقيب لأن مرتبة المفسر في الذكر أن يقع بعد المفسر كما فعل في التفصيل بالقياس إلى الاجمال كما يستفاد من تحقيقات الشريف في شرح المفتاح ويمكن ان تكون الآية من باب القلب كما هو أحد الوجوه في قوله تعالى : وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا للمبالغة في مفاجأة رؤيتهم العذاب حتى كأنهم رأوه قبل المفاجأة والمعنى حتى يأتيهم العذاب الاليم بغتة فيروه انتهى وجعلها بعضهم للتفصيل واعترض على ما قال صاحب الكشاف بأن العذاب الاليم منطو على شدة البغت فلا يصح الترتيب والتعقيب الرتبي وهو وهم كما لايخفى
والظاهر أن جملة وهم لايشعرون حال مؤكدة لما يفيده بغتة فانها كما قال الراغب مفاجأة الشيء من حيث لايحتسب
ثم ان هذه الرؤية وما بعدها إن كانت في الدنيا كما قيل فاتيان العذاب الأليم فيها بغتة مما لاخفاء فيه لأنه قد يفاجئهم فيها ما لم يكن يمر بخاطرهم على حين غفلة وإن كانت في الآخرة فوجه اتيانه فيها بغتة على ما زعمه بعضهم أن المراد به أن يأتيهم من غير استعداد له وانتظار فافهم واختار بعضهم أن ذلك أعم من أن يكون في الدنيا أو في الآخرة
وقرأ الحسن وعيسى تأتيهم بتاء التأنيث وخرج ذلك الزمخشري على أن الضمير للساعة وأبو حيان عن أنه للعذاب بتأويل العقوبة وقال أبو الفضل الرازي : للعذاب وأنث لاشتماله على الساعة فاكتسى منها التأنيث وذلك لأنهم كانوا يسالون عذاب القيامة تكذيبا بها انتهى وهو في غاية الغرابة وكأنه اعتبر إضافة العذاب إلى الساعة معنى بناء على أن المراد بزعمه حتى يروا عذاب الساعة الاليم وقال : باكتسائه التأنيث منها بسبب إضافته اليها لأن الاضافة إلى المؤنث قد تكتسي المضاف المذكر التأنيث كما في قوله : كما شرقت صدر القناة من الدم
ولم أر أحدا سبقه إلى ذلك وقرأ الحسن بغتة بالتحريك وفي حرف أبي رضي الله تعالى عنه ويروه بغتة أفبعذابنا يستعجلون
402
- أي يطلبونه قبل أوانه وذلك قولهم : أمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم وقولهم : فائتنا بما تعدنا ونحوها أفرأيت أي فاخبر إن متعناهم سنين
502
- أي مدة من الزمان بطول الأعمار وطيب المعاش أو عمر الدنيا على ماروي عن عكرمة وعبر عن ذلك بما ذكر إشارة إلى قلته ثم جاءهم ما كانوا يوعدون
602
- أي الذين كانوا يوعدون من العذاب ما أغنى عنهم أي أي شيء أو أي غناء عنهم ما كانوا يمتعون
702
- أي كونهم ممتعين ذلك التمتيع المديد على أن ما مصدرية كما هو الأولى أو الذي كانوا يمتعونه من متاع الحياة الدنيا على أنها موصولة حذف عائدها وأياما كان فالاستفهام للنفي والانكار
وقيل : ما نافية أي لم يغن عنهم ذلك في دفع العذاب أو تخفيفه والاول أولى لكونه أوفق لصورة الاستخبار وأدل على انتفاء الاغناء على أبلغ وجه وآكده وفي ربط النظم الكريم ثلاثة اوجه كما في الكشاف الأول أن قوله سبحانه أفرأيت الخ متصل بقوله تعالى : هل نحن منظرون وقوله جل وعلا : أفبعذابنا يستعجلون معترض للتبكيت وإنكار أن يستعجل العذاب من هو معرض لعذاب يسأل فيه النظرة والامها طرفة عين فلا يجاب

الصفحة 130