كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

اليها والمعنى على هذا كما في الكشف أنه لما ذكر أنهم لايؤمنون دون مشاهدة العذاب قال سبحانه : إن هذا العذاب الموعود وإن تأخر أياما قلائل فهو لاحق بهم لامحالة وهنالك لاينفعهم ما كانوا فيه من الاغترار المثمر لعدم الايمان وأصل النظم الكريم لايؤمنون حتى يروا العذاب وكيت وكيت فان متعناهم سنين ثم جاءهم هذا العذاب الموعود فأي شيء أو فأي غناء يغني عنهم تمتيعهم تلك الايام القلائل فجيء بفعل الرؤية والاستفهام ليكون في معنى أخبر افادة لمعنى التعجب والانكار وأن من حق هذه القصة أن يخبر بها كل أحد حتى يتعجب
ووسط أفبعذابنا يستعجلون للتبكيت والهمزة فيه للانكار وجيء بالفاء دلالة على ترتبه على السابق كأنه لما وصف العذاب قيل : أيستعجل هذا العذاب عاقل وفي الارشاد اختياران قوله تعالى أفرأيت متصل بقوله سبحانه هل نحن منظرون وجعل الفاء لترتيب الاستخبار على ذلك القول وهي متقدمة على الهمزة معنى وتأخيرها عنها صورة لاقتضاء الهمزة الصدارة وإن أفبعذابنا يستعجلون معترض للتوبيخ والتبكيت وجعل الفاء فيه للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي أيكون حالهم كما ذكر من الاستنظار عند نزول العذاب الاليم فيستعجلون بعذابنا وبينهما من التنافي مالايخفى على أحد أو أيغفلون عن ذلك مع تحققه وتقرره فيستعجلون الخ وصاحب الكشف بعد أن قرر كما ذكرنا قال : إن للعطف على مقدر في هذا الوجه لا وجه له ولعل المنصف يقول لكل وجهة
والثاني أن قوله تعالى أفبعذابنا يستعجلون كلام يوبخون به يوم القيامة عند قولهم فيه هل نحن منظرون حكى لنا لطفا ويستعجلون كلام يوبخون به يوم القيامة عند قولهم فيه هل نحن منظرون حكي لنا لطفا ويستعجلون عليه في معنى استعجلتم إد كذلك يقال لهم ذلك اليوم وكأن أمر الترتيب أو العطف على مقدر وارتباط أفرأيت الخ بقولهم هل نحن منظرون على نحو ما تقدم في الوجه السابق
والثالث أن قوله تعالى أفبعذابنا يستعجلون متصل بما بعده غير مترتب على ما قبله وذلك أن استعجالهم بالعذاب إنما كان لاعتقادهم أنه غير كائن ولا لاحق بهم وأنهم ممتعون باعمار طوال في سلامة وأمن فقال عز و جل : أفبعذابنا يستعجلون أشرا وبطرا واستهزاء واتكالا على الأمل الطويل ثم قال سبحانه : هب أن الأمر كما يعتقدون من تمتيعهم وتعميرهم فاذا لحقهم الوعيد بعد ذلك ما ينفعهم حينئذ ما مضى من طول أعمارهم وطيب معايشهم
وعلى هذا يكون فبعذابنا الخ عطفا على مقدر بلا خلاف نحو ايستهزؤن فبعذابنا يستعجلون
وقوله تعالى أفرأيت الخ تعجبا من حالهم مترتبا على الاستهزاء والاستعجال والكلام نظير ما تقول لمخاطبتك : هل تغتر بكثرة العشائر والاموال فاحسب أنها بلغت فوق ما تؤمل اليس بعده الموت وتركهما على حسرة
وهذا الوجه أظهر من الوجه الذي قبله وأياما كان فقوله سبحانه : فبعذابنا متعلق بيستعجلون قدم عليه للايذان بأن مصب الانكار والتوبيخ كون المستعجل به عذابه جل جلاله مع ما فيه على ما قيل من رعاية الفواصل وقريء يمتعون من الامتاع وفي الآية موعظة عظيمة لمن له قلب روي عن ميمون بن مهران أنه لقي الحسن في الطواف وكان يتمنى لقاءه فقال له : عظني فلم يزده على تلاوة هذه الآية فقال ميمون لقد وعظت فأبلغت وما أهلكنا من قرية من القرى المهلكة إلا لها منذرون
802
- قد أنذروا أهلها الزاما للحجة والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع خبرا مقدما و منذرون مبتدأ والجملة في موضع الحال من قرية قاله أبو حيان ثم قال : الاعراب أن يكون لها في موضع الحال وارتفع منذرون بالجار والمجرور أي الا كائنا لها منذرون فيكون من مجيء الحال مفردا لا جملة ومجيء الحال من المنفي كقولك ما مررت بأحد

الصفحة 131