كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

إلا قائما فصبح انتهى وفي الوجهين مجيء الحال من النكرة حسن ذلك على ما قيل عمومها لوقوعها في حيز النفي مع زيادة من قبلها وكأن هذا القائل جعل العموم مسوغا لمجيء الحال قياسا على جعلهم إياه مسوغا للابتداء بالنكرة لاشتراك العلة وذهب الزمخشري إلى أن لها منذرون جملة في موضع الصفة لقرية ولم يجوز أبو حيان كون الجملة الواقعة بعد إلا صفة ثم قال : مذهب الجمهور إنه لاتجيء الصفة بعد إلا معتمدة على اداة الاستثناء نحو ما جاءني أحد إلا راكب وإذا سمع خرج على البدل أي إلا رجل راكب ويدل على صحة هذا المذهب أن العرب تقول : مامررت بأحد إلا قائما ولا يحفظ من كلامها ما مررت باحد إلا قائم فلو كانت الجملة في موضع الصفة للنكرة لورد المفرد بعد إلا صفة لها فان كانت الصفة غير معتمدة على الاداة جاءت الصفة بعد إلا نحو ما جاءني إلا زيد خير من عمرو فان التقدير ما جاءني أحد خير من عمرو إلا زيد انتهى فتذكر وأيا ماكان فضمير لها للقرية التي هي لما سمعت في معنى الجمع فكأنه قيل وما أهلكنا القرى إلا لها منذرون على معنى أن للكل منذرين أعم من أن يكون لكل قرية منها منذر واحد أو أكثر
وقوله تعالى : ذكرى منصوب على الحال من الضمير في منذرون عند الكسائي وعلى المصدر عند الزجاج فعلى الحال إما أن يقدر ذوي ذكرى أو يقدر مذكرين أو يبقى على ظاهره اعتبارا للمبالغة وعلى المصدر فالعامل منذرون لأنه في معند مذكورون ذكرى أي تذكرة وأجاز الزمخشري أن يكون مفعولا له على معنى أنهم ينذرون لاجل الموعظة والتذكرة وأن يكون مرفوعا على أنه خبر مبتدأ محذوف بمعنى هذه ذكرى والجملة اعتراضية أو صفة بمعنى منذرون ذوو ذكرى أو مذكرين أو جعلوا نفس الذكرى مبالغة لامعانهم في التذكرة وأطنابهم فيها وجوز أيضا أن يكون متعلقا باهلكنا على أنه مفعول له والمعنى ما أهلكنا من قرية ظالمين الا بعد ما ألزمناهم الحجة بارسال المنذرين اليهم ليكون اهلاكهم تذكرة وعبرة لغيرهم فلا يعصوا مثل عصيانهم ثم قال وهذا هو الوجه المعول عليه وبين ذلك في الكشف بقوله : لأنه وعيد للمستهزئين وبانهم يستحقون أو يجعلوا نكالا وعبرة لغيرهم كالامم السوالف حيث فعلوا مثل فعلهم من الاستهزاء والتكذيب فجوزوا وحينئذ يتلائم الكلام انتهى وتعقب بأن مذهب الجمهور أن ما قيل إلا لايعمل فيما بعدها إلا أن يكون مستثنى أو مستثنى منه أو تابعا له غير معتمد على الأداة والمفعول له ليس واحدا من هذه الثلاثة فلا يجوز أن يتعلق باهلكنا ويتخرج جواز ذلك على مذهب الكسائي والاخفش وإن كانا لم ينصبا على المفعول له هنا وكان ذلك لما في نصبه عليه من التكلف وأمر الالتئام سهل كما لايخفى وما كنا ظالمين
902
- أي ليس شأننا أن يصدر عنا بمقتضى الحكمة ما هو في صورة الظلم لو صدر من غيرنا بأن نهلك أحدا قبل انذاره أوبأن نعاقب من يظلم ولارادة نفي أن يكون ذلك من شأنه عز شأنه قال وما كنا دون وما نظلم وما تنزلت به الشياطين
12
- متعلق بقوله تعالى وإنه لتنزيل رب العالمين الخ وهو رد لقول مشركي قريش إن لمحمد صلى الله عليه و سلم تابعا من الجن يخبره كما تخبر الكهنة وأن القرآن مما ألقاه اليه عليه الصلاة و السلام والتعبير بالتفعيل لأن النزول لو وقع لكان بالاستراق التدريجي وقرأ الحسن وابن السميقع الشياطون فقال أبو حاتم : هو غلط من الحسن أو عليه وقال النحاس هو غلط عند جميع النحويين وقال المهدوي هو غير جائز في العربية وقال الفراء : غلط الشخ ظن أنها النون التي على هجائين وقال الضر بن شميل : إن جاز أن يحتج بقول العجاج ورؤبة فهلا جاز أن يحتج

الصفحة 132