كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

بقول الحسن وصاحبه مع أنا نعلم أنهما لم يقرآ به الا وقد سمعا فيه وقال يونس بن حبيب سمعت اعرابيا يقول دخلت بساتين من روائها بساتون فقلت : ما أشبه هذا بقراءة الحسن انتهى ووجت هذه القراءة بانه لما كان آخره كآخر يبرين وفلسطين وقد قيل فيهما يبون وفلسطون اجري فيه نحو ما أجري فيهما فقيل الشياطون
وحقه على هذا على مافي الكشاف أن يشتق من الشيطوطة وهي الهلاك وفي البحر نقلا عن بعضهم إن كان اشتقاقه من شاط أي احترق يشيط شوطة كان لقراءتهما وجه قيل : ووجهها أن بناء المبالغة من شياط وجمعه الشياطون فخففا الياء وقد روي عنهما بالتشديد وقرأ به غيرهما وقال بعض : إنه جمع شياط مصدر شاط كخاط خياطا كأنهما ردا الوصف إلى المصدر بمعناه مبالغة ثم جمعا والكل كما ترى وقال صاحب الكشف لا وجه لتصحيح هذه القراءة البتة وقد أطنب ابن جني في تصحيحها ثم قال : وعلى كل حال فالشياطون غلط وأبو حيان لايرضى بكونه غلطا ويقول : قرأ به الحسن وابن السميقع والاعمش ولايمكن أن يقال غلطوا لأنهم من العلم ونقل القرآن بمكان والله تعالى أعلم والذي أراه أنه متى صح رفع هذه القراءة إلى هؤلاء الاجلة لزم توجيهها فانهم لايقرؤن إلا عن روياة كغيرهم من القراء في جميع ما يقرؤنه عندنا وزعم المعتزلة أن بعض القراءات بالرأي
وما ينبغي لهم أي وما يصح وما يستقيم لهم ذلك وما يستطيعون
112
- أي وما يقدرون على ذلك أصلا
إنهم أي الشياطين عن السمع لما يتكلم به الملائكة عليهم السلام في السماء لمعزولون
212
- أي ممنوعون بالشهب بعد أن كانوا ممكنين كما يدل عليه قوله تعالى وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا والمراد تعليل ما تقدم على أبلغ وجه لأنهم إذا كانوا ممنوعين عن سماع ما تتكلم به الملائكة في السماء كانوا ممنوعين من أخذ القرآن المجيد من اللوح المحفوظ أو من بيت العزة أو من سماعه إذ يظهره الله عز و جل لمن شاء في سمائه من باب أولى وقيل : المعنى انهم لمعزولون عن السمع لكلام الملائكة عليهم السلام لأنه مشروط بالمشاركة في صفات الذات وقبول فيضان الحق والانتقاش بالصور الملكوتية ونفوسهم خبيثة ظلمانية شريرة بالذات لاتقبل ذلك والقرآن الكريم مشتمل على حقائق ومغيبات لايمكن تلقيها الا من الملائكة عليهم السلام وتعقب بانه إن أراد أن السمع لكلام الملائكة عليهم السلام مطلقا مشروط بصفات هم متصفون بنقائضها فهو غير مسلم كيف وقد ثبت أن الشياطين كانوا يسترقون السمع وظاهر الآيات أنهم إلى اليوم يسترقونه ويخطفونه الخطفة فيتبعهم شهاب ثاقب وأيضا لو كان ما ذكر شرطا للسمع وهو منتف فيهم فأي فائدة للحرس ومنعهم عن السمع بالرجوم
وأيضا لو صح ما ذكر بم يتأت لهم سماع القرآن العظيم من الملائكة عليهم السلام سواء كان مشتملا على الحقائق والمغيبات أم لا فما فائدة في قوله : والقرآن مشتمل الخ إلى غير ذلك وإن أراد أن السمع لكلام الملائكة عليهم السلام إذا كان وحيا منزلا على الأنبياء عليهم السلام مشروط بما ذكر فهو مع كونه خلاف ظاهر الكلام غير مسلم أيضا كيف وقد ثبت أن جبريل عليه السلام حين ينزل بالقرآن ينزل معه رصد حفظا للوحي من الشيطان وقد قال عز و جل لايظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فانه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأيضا ظاهر العزل عن السمع يقتضي انهم كانوا ممكنين منه قبل ثم منعوا عنه فيلزم على ما ذكر أنهم كانوا يسمعون الوحي من قبل مع أن نفوسهم خبيثة ظلمانية شريرة بالذات

الصفحة 133