كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

وقال بعضهم : على تقدير كونها بيانية أن المؤمنين يراد بهم الذين لم يؤمنوا بعد وشارفوا لأن يؤمنوا كالمؤلفة مجاز باعتبار الأول وكان من اتبعك شائعا في من آمن حقيقة ومن آمن مجازا فبين بقوله تعالى : من المؤمنين ان المراد بهم المشارفون أي تواضع للمشارفين استمالة وتأليفا وعلى تقدير كونها تبعيضية يراد بالمؤمنين الذين قالوا ءامنا وهم صنفان صنف صدق واتبع وصنف ما وجد منهم إلا التصديق فقيل : من المؤمنين وأريد بعض الذين صدقوا واتبعوا أي تواضع لبعض المؤمنين وهم الذين اتبعوك محبة ومودة وعلى هذا يكون أمر صلى الله عليه و سلم بالتواضع لهم على تقدير البيان غير الذي أمر عليه الصلاة و السلام بالتواضع لهم على تقدير التبعيض وقال بعض الأجلة الاتباع والايمان توأمان إذ المتبادر من اتباعه عليه الصلاة و السلام اتباعه الديني وكذا المتبادر من الايمان الايمان الحقيقي وذكر من المؤمنين لافادة التعميم كذكر يطير بجناحيه بعد طائر في قوله تعالى ولا طائر يطير بجناحيه وتفيد الآية الأمر بالتواضع لكل من ءامن من عشيرته صلى الله عليه و سلم وغيرهم
وقال الطيبي : الاجراء على أفانين البلاغة أن يحمل الكلام على أسلوب وضع المظهر موضع المضمر وان الأصل وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن اتبعك منهم فعدل الى المؤمنينليعم ويؤذن أن صفة الايمان هي التي يستحق أن يكرم صاحبها ويتواضع لأجلها من اتصف بها سواء كان من عشيرتك أو غيرهم وليس هذا بالبعيد لكني أختار كون بيانية وان عموم من اتبعك باعتبار أصل معناه وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال : لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين بدأ صلى الله عليه و سلم بأهل بيته وفصيلته فشق ذلك على المسلمين فانزل الله تعالى واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين
فان عصوك فقل إني بريء مما تعملون
612
- الظاهر أن الضمير المرفوع في عصوك عائد على من أنذر صلى الله عليه و سلم بانذارهم وهم العشيرة أي فان عصوك ولم يتبعوك بعد أنذارهم فقل : إني بريء من عملكم أو الذي تعملونه من دعائكم مع الله تعالى إلها ءاخر وجوز أن يكون عائدا على الكفار المفهوم من السياق وقيل : هو عائد على من اتبع من المؤمنين أي فان عصوك يا محمد في الاحكام وفروع الاسلام بعد تصديقك والايمان بك وتواضعك لهم فقل : إني بريء مما تعملون من المعاصي أي أظهر عدم رضاك بذلك وانكاره عليهم وذكر على هذا أنه صلى الله عليه و سلم لو أمر بالبراءة منهم ما بقي شفيعا للعصاة يوم القيامة والآية على غير هذا القول منسوخة
أخرج ابن ابي حاتم عن ابن زيد أنه قال : أمره سبحانه بهذا ثم نسخه فامره بجهادهم وفي البحر هذه موادعة نسختها ءاية السيف وتوكل على العزيز الرحيم
712
- فهو سبحانه يقهر من يعصيك منهم ومن غيرهم بعزته وينصرك برحمته وتقديم وصف العزة قيل لأنه أوفق بمقام التسلي عن المشاق اللاحقة من القوم اليه صلى الله عليه و سلم وجوز أن يكون ذلك لأن العزة كالعلة المصححة للتوكل والرحمة كالعلة الداعية اليه وفسره غير واحد بتفويض الرجل أمره إلى من يملك أمره ويقدر على أن ينفعه ويضره وقالوا : المتوكل من إن دهمه أمر لم يحاول دفعه عن نفسه بما هو معصية لله تعالى وذكر بعضهم أن هذا من أحط مراتب التوكل وأدناه ونقل عن بعض العارفين أنه فيما بين الناس على ثلاث درجات الاولى التوكل مع الطلب ومعاطاة السبب على نية شغل النفس ونفع الخلق وترك الدعوى والثانية التوكل مع اسقاط الطلب وغض العين عن السبب اجتهادا في تصحيح التوكل وقمع تشرف النفس تفرغا إلى حفظ الواجبات والثالثة التوكل مع معرفة التوكل النازعة

الصفحة 136