كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

الىالى الخلاص من علة التوكل وذلك أن يعلم أن الله تعالى لم يترك أمرا مهملا بل فرغ من الأشياء كلها وقدرها وشأنه سبحانه سوق المقادير إلى المواقيت فالمتوكل من أراح نفسه من كد النظر ومطالعة السبب سكونا إلى ما سبق من القسمة مع استواء الحالين وهو أن يعلم أن الطلب لاينفع والتوكل لايمنع ومتى طالع بتوكله عوضا كان توكله مدخولا وقصده معلولا واذا خلص من رق الأسباب ولم يلاحظ في توكله سوى خالص حق الله تعالى كفاه الله تعالى كل منهم وبين العلامة الطيبي أن في قوله تعالى : وتوكل الخ اشارة الى المراتب الثلاث بما فيه خفاء
وفي مصاحف أهل المدينة والشام فتوكل بالفاء وبه قرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر وشيبة وخرج على الابدال من جواب الشرط وجعل في الكشاف الفاء للعطف وما بعده معطوفا على فقل أو فلاتدع وما ذكر أولا أظهر الذي يريك حين تقوم
812
- أي إلى الصلاة وتقلبك أي ويرى سبحانه تغيرك من حال كالجلوس والسجود إلى ءاخر كالقيام في الساجدين
912
- أي فيما بين المصلين إذا أممتهم وعبر عنهم بالساجدين لأن السجود حالة مزيد قرب العبد من ربه عز و جل وهو أفضل الأركان على ما نص عليه جمع من الأئمة وتفسير هذه الجملة بما ذكر مروي عن ابن عباس وجماعة من المفسرين الا أن منهم من قال : المراد حين تقوم الى الصلاة بالناس جماعة وقيل : المعنى يراك حين تقوم للتهجد ويرى تقلبك أي ذهابك ومجيئك فيما بين المتهجدين لتتصفح أحوالهم وتطلع عليهم من حيث لايشعرون وتستبطن سرائرهم وكيف يعملون لآخرتهم كما روي أنه لما نسخ فرض قيام الليل طاف صلى الله تعالى عليه وسلم تلك الليلة ببيوت أصحابه لينظر ما يصنعون حرصا على كثرة طاعتهم فوجدها كبيوت النحل لما سمع لها من دندنتهم بذكر الله تعالى والتلاوة وعن مجاهد أن المراد بقوله سبحانه : وتقلبك في الساجدين تقلب بصره عليه الصلاة و السلام فيمن يصلي خلفه فانه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يرى من خلفه ففي صحيح البخاري عن أنس قال : أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بوجهه فقال : أقيموا صفوفكم وتراصوا فاني أراكم منن وراء ظهري
وفي رواية أبي داود عن أبي هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يقول : استووا استووا استووا والذي نفسي بيده إني لأراكم من خلفي كما أراكم من بين يدي ولا يخفى بعد حمل ما في الآية على ما ذكر
وقيل : المراد بالساجدين المؤمنون والمعنى يراك حين تقوم لأداء الرسالة ويرى تقلبك وترددك فيما بين المؤمنين أو معهم فيما فيه إعلان أمر الله تعالى وإعلاء كلمته سبحانه وتفسير الساجدين بالمؤمنين مروي عن ابن عباس وقتادة إلا أن كون المعنى ما ذكر لايخلو عن خفاء
وعن ابن جبير أن المراد بهم الانبياء عليهم السلام والمعنى ويرى تقلبك كما يتقلب غيرك منن الانبياء عليهم السلام في تبليغ ما أمروا بتبليغه وهو كما ترى وتفسير الساجدين بالأنبياء رواه جماعة منهم الطبراني والبزار وأبو نعيم عن ابن عباس أيضا إلا أنه رضي الله تعالى عنه فسر التقلب فيهم بالتنقل في اصلابهم حتى ولدته أمه عليه الصلاة و السلام وجوز على حمل التقلب على التنقل في الأصلاب أن يارد بالساجدين

الصفحة 137