كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

المؤمنون واستدل بالآية على إيمان أبويه صلى الله تعالى عليه وسلم كما ذهب اليه كثير من أجلة أهل السنة وأنا أخشى الكفر على من يقول فيهما رضي الله تعالى عنهما على رغم أنف على القاريء واضرابه بضد ذلك إلا أني لا أقول بحجية اةية على هذا المطلب ورؤية الله تعالى انكشاف لائق بشأنه عز شأنه غير الانكشاف العلمي ويتعلق بالموجود والمعدوم الخارجي عند العارفين وقالوا : إن رؤية الله تعالى للمعدوم نظير رؤية الشخص القيامة ونحوها في المنام وكثير من المتكلمين أنكروا تعلقها بالمعدوم ومنهم من أرجعها إلى صفة العلم وتحقيق ذلك في محله وفي وصفه تعالى برؤيته حاله صلى الله عليه و سلم التي بها يستأهل ولايته بعد وصفه بما تقدم تحقيق للتوكل وتوطين لقلبه الشريف عليه الصلاة و السلام عليه
وقرأ جناح بن حبيش ويقلبك مضارع قلب مشددا وخرج ذلك أبو حيان على العطف على يراك وجوز العطف على تقوم وفي الكلام على هذه القراءة إشارة الى وقوع تقلبه صلى الله عليه و سلم في الساجدين على وجه الكمال وكمال التقلب في الصلاة كونه بخشوع يغفل معه عما سوى الله تعالى إنه هو السميع بكل ما يصح تعلق السمع به ويندرج فيه ما يقوله صلى الله عليه و سلم العليم
22
- بكل ما يصح تعلق العلم به ويندرج فيه ما يعمله أو ينويه عليه الصلاة و السلام وفي الجملة الاسمية إشارة إلى أنه سبحانه متصف بما ذكر أزلا وأبدا ولا توقف لذلك على وجود المسموعات والمعلومات في الخارج والحصر فيها حقيقي أي هو تعالى كذلك لاغيره سبحانه وتعالى
وكأن الجملة متعلقة بالجملتين الواقعتين في حيز الجزاء جيء بها للتحريض على القول السابق والتوكل وجوز أن تكون متعلقة بما في حيز الصلة والمراد منها التحريض على ايقاع الأقوال والأفعال التي في الصلاة على أكمل وجه فتأمل
وقوله تعالى هل انبئكم على من تنزل الشياطين
122
- الخ مسوق لبيان استحالة تنزل الشياطين على رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد بيان امتناع تنزلهم بالقرآن وهذه الجملة وقوله تعالى وانه لتنزيل رب العالمين الخ وقوله سبحانه : وما تنزلت به الشياطين الخ أخوات وفرق بينهن بآيات ليست في معناهن ليرجع الى المجيء بهن وتطرية ذكر ما فيهن كرة بعد كرة فيدل بذلك على أن المعنى الذي نزلن فيه من المعاني التي اشتدت عناية الله تعالى بها ومثاله أن يحدث الرجل بحديث وفي صدره اهتمام بشيء منه وفضل عناية فتراه يعيد ذكره ولا ينفك عن الرجوع اليه والاستفهام للتقرير و على من متعلق بتنزل قدم عليه لصدارة المجرور وتقديم الجار لايضر كما بين في النحو وقال الزمخشري في ذلك : ان من متضمنة معنى الاستفهام وليس معنى التضمن أن الاسم دل على معنيين معا معنى الاسم ومعنى الحرف وإنما معناه أن الأصل أمن فحذف حرف الاستفهام واستمر الاستعمال على حذفه كما حذف من هل والأصل أهل كما قال : سائل فوارس يربوع بشدتنا أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم فاذا أدخلت حرف الجر على من فقدر الهمزة قبل حرف الجر في ضميرك كأنك تقول : أعلى من تنزل الشياطين كقولك : أعلى زيد مررتاه وتعقبه صاحب الفرائدبقوله : يشكل ما ذكر بقولهم : من أين أنت ومن أين جئت وقوله تعالى : من أي شيء خلقه وقوله فيم : وبم ومم وحتام ونحوها وأجاب صاحب الكشف بأنه لا إشكال في نحو من أين أنت لأن التقدير أمن البصرة أم من الكوفة مثلا ولا يخفى أنه

الصفحة 138