كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

لايحتاج على ما حققه النحاة الى جميع ذلك وجملة على من تنزل الخ في موضع نصب بأنبئكم لأنه معلق بالاستفهام وهي إما سادة مسد المفعول الثاني ان قدرت الفعل متعديا لأثنين ومسد مفعولين ان قدرته متعديا لثلاثة والمراد هل أعلمكم جواب هذأ الاستفهام اعني على من تنزل الشياطين م وأصل تنزل تتنزل فحذف أحدى التاءين والكلام على معنى القول عند أبي حيان كأنه قيل : قل يا محمد هل انبئكم على من انزل الشياطين تنزل على كل أفاك أي كثير الافك وهو الكذب أثيم
222
- كثير الاثم و كل للتكثير وجوز أن تكون للاحاطة ولا بعد في تنزلها على كل كامل في الافك والاثم كالكهنة نحو شق بن رهم بن نذير وسطيح بن ربيعة ابن عدي والمراد بواسطة التخصيص في معرض البيان أو السياق أو مفهوم المخالفة عند القائل به قصر تنزلهم على كل من اتصف بما ذكر من الصفات وتخصيص له بهم لايتخطاهم إلى غيرهم وحيث كانت ساحة رسول الله صلى الله عليه و سلم منزهة من أن يحوم حولها شائبة شيء من تلك الأوصاف اتضح استحالة تنرلهم عليه عليه الصلاة و السلام يلقون أي الافاكون السمع أي سمعهم الى الشياطين والقاء السمع مجاز عن شدة الاصغاء للتلقي فكأنه قيل : يصغون إصغاء إلى الشياطين فيتلقون منهم ما يتلقون وأكثرهم أي الأفاكون كاذبون
322
- فيما يقولونه من الاقاويل والأكثرية باعتبار أقوالهم على معنى أن هؤلاء قلما يصدقون في أقوالهم وإنما هم في أكثرها كاذبون ومآله وأكثر أقوالهم كاذبة لاباعتبار ذواتهم حتى يلزم من نسبة الكذب إلى أكثرهم كون أقلهم صادقين على الاطلاق ويلتزم لذلك كون الأكثر بمعنى الكل
وليس معنى الافاك من لاينطق إلا بالافك حتى يمتنع منه الصدق بل يكثر الافك فلا ينافيه ان يصدق نادرا في بعض الأحايين وجوز أن يكون السمع بمعنى المسموع والقاؤه مجاز عن ذكره أن يلقي الافاكون إلى الناس المسوع من الشياطين وأكثرهم كاذبون فيما يحكون عن الشياطين ولم يرتضه بعضهم لبعده أو لقلة جدواه على ما قيل واختلف في سبب كون اكثر أقوالهم كاذبة فقيل : هو بعد البعثة كونهم يتلقون منهم ظنونا وأمارات إذ ليس لهم من علم الغيب نصيب وهم محجوبون عن خبر السماء ولعدم صفاء نفوسهم قلما تصدق ظنونهم ومع ذلك يضم الافاكون اليها لعدم وفائها بمرادهم على حسب تخيلاتهم أشياء لايطابق أكثرها الواقع وقيل البعثة إذ كانوا غير محجوبين عن خبر السماء وكانوا يسمعون من الملائكة عليهم السلام ما يسمعونه من الأخبار الغيبية يحتمل أن يكون كثرة غلط الأفاكين في الفهم لقصور فهمهم عنهم ويحتمل أن يكون ضمهم إلى ما يفهمونه من الحق أشياء من عند أنفسهم لايطابق أكثرها الواقع ويحتمل أن يكون كثرة غلط الشياطين الذين يوحون اليهم في الفهم عن الملائكة عليهم السلام لقصور فهمهم عنهم ويحتمل أن يكون ضم الشياطين إلى ما يفهمونه من الحق من الملائكة عليهم السلام أشياء من عند انفسهم لايطابق أكثرها الواقع ويحتمل أن يكون مجموع ما ذكر وقيل : هو قبل البعثة يحتمل أن يكون أحد هذه الأمور وأما بعد البعثة فهو كثرة خلطهم الكذب فيما تخطفه الشياطين عند استراقهم السمع من الملائكة ويلقونه اليهم
فقد أخر البخاري ومسلم وابن مردويه عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : سأل أناس النبي صلى الله عليه و سلم عن الكهان فقال : إنهم ليسوا بشيء فقالوا : يا رسول الله إنهم يحدثون أحيانا بالشيء يكون حقا قال : تلك

الصفحة 139