كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

النظم الكريم فان ظاهره ذم الهجر مطلقا وإن كان المراد به عدم القبول لاعدم الاشتغال مع القبول ولا ما يعمهما فان كان مثل هذا يكفي في الاستدلال فذاك وإلا فليطلب دليل آخر للكراهة وأورد بعضهم في ذلك خبرا وهو من تعلم القرآن وعلق مصحفه لم يتعاهده ولم ينظر فيه جاء يوم القيامة متعلقا به يقول : يا رب عبدك هذا اتخذني مهجورا اقض بيني وبينه وقد تعقب هذا الخبر العراقي بأنه روي عن أبي هدبة وهو كذاب والحق أنه متى كان ذلك مخلا باحترام القرءان والاعتناء به كره بل حرم وإلا فلا
وقيل : مهجورا من الهجر بالضم على المشهور أي الهذيان وفحش القول والكلام على الحذف والايصال أي جعلوه مهجورا فيه إما على زعمهم الباطل نحو ماقالوا : إنه أساطير الأولين اكتتبها وإما بأن هجروا فيه ورفعوا أصواتهم بالهذيان لما قريء لئلا يسمع كما قالوا : لاتسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه وجوز أن يكون مصدرا من الهجر بالضم كالمعقول بمعنى العقل والمجلود بمعنى الجلادة أي اتخذوه نفس الهجر والهذيان ومجيء مفعول مصدرا مما أثبته الكوفيون لكن على قلة وفي هذه الشكوى من التخويف والتحذير مالايخفى فان الأنبياء عليه الصلاة و السلام إذا شكوا إلى الله تعالى قومهم عجل لهم العذاب ولم ينظروا
وقيل : إن قال الخ عطف على يعض الظالم والمراد ويقول الرسول إلا أنه عدك إلى الماضي لتحقق الوقوع مع عدم قصد الاستمرار التجددي المراد بمعونة المقام في بعض وإن كان إخبارا عما في الآخرة
وحال عطفه على وكان الشيطان الخ على أنه من كلامه تعالى لايخفى حالة وقال الرسول ذلك يوم القيامة وهو كالشهادة على اولئك الكفرة وليس بتخويف وإلى ذلك ذهبت فرقة منهم أبو مسلم والأول أنسب بقوله تعالى وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين فانه تسلية لرسول الله صلى الله عليه و سلم وحمل له على الاقتداء بمن قبله من الانبياء عليهم السلام والبلية إذا عمت هانت والعدو يحتمل أن يكون واحدا وجمعا أي كما جعلنا لك اعداء من المشركين يقولون ما يقولون ويفعلون ما يفعلون من الأباطيل جعلنا لكل نبي من الأنبياء الذين هم أصحاب الشريعة والدعوة اليها عدوا من مرتكبي الجرائم واةثام ويدخل في ذلك آدم عليه السلام لدخول الشياطين وقابيل في المجرمين ويكتفي بدخول قابيل إن أريد بالمجرمين مجرمو الانس أو مجرمو أمة النبي وقيل الكلية بمعنى الكثرة والمراد بجعل الأعداء جعل عداوتهم وخلقها وما ينشأ منها فيهم لا جعل ذواتهم ففي ذلك رد على المعتزلة في زعمهم إن خالق الشر غيره تعالى شأنه وقوله تعالى : وكفى بربك هاديا ونصيرا
13
- وعد كريم له عليه الصلاة و السلام بالهداية إلى كافة مطالبه والنصر على اعدائه أي كفاك مالك أمرك ومبلغك إلى الكمال هاديا لك إلى مايوصلك إلى غاية الغايات التي من جملتها تبليغ ما أنزل اليك واجراء أحكامه في أكناف الدنيا إلى أن يبلغ الكتاب أجله وناصرا لك عليهم على أبلغ وجه
وقدر بعضهم متعلق هاديا إلى طريق قهرهم وقيل : المعنى هاديا لمن آمن منهم ونصيرا لك على غيره وقيل هاديا للانبياء إلى التحرز عن عداوة المجرمين بالاعتصام بحبله ونصيرا لهم عليهم وهو كما ترى ونصب الوصفين على الحال أو التمييز وقال الذين كفروا حكاية لنوع آخر من أباطيلهم والمراد بهم المشركون كما صح عن ابن عباس وهم القائلون أولا والتعبير عنهم بعنوان الكفر لذمهم به والاشعار بعلة الحكم وقيل : المراد بهم طائفة من اليهود لولا نزل عليه القرءان أي أنزل عليه كخبر بمعنى أخبر فلا قصد فيه إلى التدريج

الصفحة 14