كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

الكلمة من الحق يحفظها الجني فيقذفها في اذن وليه فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة وقيل : هو قبل البعثة وبعدها كثرة خلط الأفاكين الكذب فيما يتلقونه من الشياطين أما كثرته قبل البعثة فلظاهر الخبر المذكور وأما كثرته بعد البعثة فلما أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة أنه قال في هذه الآية : كانت الشياطين تصعد إلى السماء فتستمع ثم تنرل إلى الكهنة فتخبرهم فتحدث الكهنة بما أنزلت به الشياطين من السمع وتخلط به الكهنة كذبا كثيرا فيحدثون به الناس فأما ما كان من سمع السماء فيكون حقا وأما ما خلطوه به من الكذب فيكون كذبا ولايخفى أن القول بأن الشياطين بعد البعثة يلقون ما يسترقونه من السمع إلى الكهنة غير مجمع عليه ومن القائلين به من يجوز أن يكون الضمير يلقون في اةية راجعا الى الشياطين والمعنى يلقي الشياطين المسوع من الملأ الأعلى قبل أن يرجموا من بعض المغيبات إلى أوليائهم وأكثرهم كاذبون فيما يوحون به اليهم إد لايسمعونهم على نحو ما تكلمت به الملائكة عليهم السلام لشرارتهم أو لقصور فهمهم أو ضبطهم أو إفهامهم وقيل : المعنى عليه ينصت الشياطين ويستمعون إلى الملأ الأعلى قبل الرجم وأكثرهم كاذبون فيما يوحون به إلى أوليائهم بعد لشرارتهم أو لأنهم لايسمعون في أنفسهم أو لايسمعون أولياءهم بعد ذلك السمع كلام الملائكة عليهم السلام على وجه وجملة يلقون على تقدير كون الضمير للافاكين صفة لكل أفاك لأنه في معنى الجمع سواء أريد بالفاء السمع الاصغاء إلى الشياطين أو القاء المسوع إلى الناس وجوز أن تكون استئنافا اخبارا بحالهم على كلا التقديرين لما أن كلا من تلقيهم من الشياطين وإلقائهم إلى الناس يكون بعد التنزل واستظهر تقدير المبتدأ على هذا وأن تكون استئنافا مبنيا على السؤال كأنه قيل : مايفعلون عند تنزل الشياطين أو ما يفعلون بعد تنزلهم فقيل : يلقون اليهم أسماعهم ليحفظوا ما يوحون به اليهم أو يلقون ما يسمعونه منهم إلى الناس وجوز أن تكون حالا منتظرة على التقديرين أيضا
وهي على تقدير كون الضمير للشياطين والمعنى ما سمعت أولا قيل : تحتمل أن تكون استئنافا مبينا للغرض من التنزل مبنيا على السؤال عنه كأنه قيل لم تنزل عليهم فقيل : يلقون اليهم ما سمعوه وأن تكون حالا منتظرة من ضمير الشياطين أي تنزل على كل أفاك أثيم ملقين مايسمعونه من الملأ الأعلى اليهم وعلى ذلك التقدير والمعنى ما سمعت ثانيا قيل : لايجوز أن تكون استئنافا نظير ما ذكر آنفا ولا أن تكون حالا أيضا لأن القاء السمع بمعنى الانصات مقدم على التنزل المذكور فكيف يكون غرضا منه أو حالا مقارنة أو منتظرة ويتعين كونها استئنافا للاخبار بحالهم
وتعقب بأنه غير سديد لأن ذكر حالهم السابقة على تنزلهم المذكور قبله غير خليق بجزالة التنزيل ومن هنا قيل : ان جعل الضمير للشياطين وحمل القاء السمع على أنصاتهم وتسمعهم إلى الملأ ألاعلى مما لاسبيل اليه وفيه نظر وجملة هم كاذبون استئنافية أو تحتمل الاستئنافية والحالية وهذا وأعلم أن ههنا اشكالا واردا على بعض الاحتمالات في الآية لأنها عليه تفيد ان الشياطين يسمعون الملائكة عليهم السلام ما يسمعونه ويلقونه إلى الأفاكين وقد تقدم ما يدل على منعهم عن السمع أعني قوله تعالى إنهم عن السمع لمعزولون
وأجيب بأن المراد بالسمع فيما تقدم السمع المعتد به وفيما ههنا السمع في الجملة ويراد به

الصفحة 140