كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

الخطفة المذكورة في قوله سبحانه إلا من خطف الخطفة والكلمة المذكورة في خبر الصحيحين وابن مردويه السابق آنفا واعترض بأن من خطف لايبقى حيا إلى أن يوصل ما خطفه إلى وليه لظاهر قوله تعالى إلا من خطف الخطفة فاتبعه شهاب ثاقب فان ظاهره أنه يهلك بالشهاب الذي لحقه
وأجيب بأن نفي بقائه حيا غير مسلم ولا نسلم أن الآية ظاهرة فيما ذكر إذ ليس فيها أكثر من اتباع الشهاب الثاقب إياه وهو يحتمل الزجر كما يحتمل الاهلاك فليرد اتباعه للزجر مع بقائه حيا فان الخبر المذكور يقتضي بقاءه كذلك وجاء عن ابن عباس أن الشياطين كانوا لايحجبون عن السموات وكانوا يدخلونها ويأتون بأخبارها فيلقون إلى الكهنة فلما ولد عيسى عليه السلام منعوا من ثلاث سموات فلما ولد محمد صلى الله عليه و سلم منعوا من السموات كلها فما منهم من أحد يريد استراق السمع إلا رمي بشهاب وهو الشعلة من النار فلا يخطيء أبدا فمنهم من يقتله ومنهم من يحرق وجهه ومنهم من يخبله فيصير غولا يضل الناس في البراري وقيل : إن المراد بالسمع فيما تقدم سمع الوحي وفيما هنا سمع المغيبات غيره وهم غير ممنوعين عنه قبل البعثة وبعدها وهذا مأخوذ من كلام عبد الرحمن بن خلدون في مقدمة تأريخه التي لم ينسج على منوالها وان كان للطعن فيها مجال قال : إن الآيات إنما دلت على منع الشياطين من نوع واحد من أخبار السماء وهو مايتعلق بخبر البعثة ولم يمنعوا مما سوى ذلك بل ربما يقال : إن في كلامه بعد اشعارا بأن المنع إنما كان بين يدي النبوة فقط لاقبل ذلك ولا بعده
ولايخفى أن الظواهر تشهد بمنعهم مطلقا الى يوم القيامة بل قد يدعي ان في الآيات ما يدل على أن حفظ السماء بالكواكب لم يحدث وان خلقها لذلك وهو ظاهر في أنهم كانوا ممنوعين أيضا قبل ولادته صلى الله تعالى عليه وسلم من خبر السماء ويشكل هذا على ظاهر العزل الا أن يدعي أن المنع قبل لم يكن بمثابة المنع بعد فالعزل عما كان يجعل المنع شديدا بالنسبة اليه وفي اليواقيت والجواهر في عقائد الأكابر لمولانا عبد الوهاب الشعراني عليه الرحمة الصحيح أن الشياطين ممنوعون من السمع منذ بعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الى يوم القيامة وبتقدير استراقهم فلا يتوصلون الى الانس ليخبروهم بما استرقوه بل تحرقهم الشهب وتفنيهم انتهى
قيل ويلزم القائلين بهذا حمل ما في خبر الصحيحين على كهان كانوا قبل البعثة وقد أدركهم السائلون وهو الذي يقتضيه كلام القاضي أيضا فقد نقل النووي عنه في شرحه صحيح مسلم أنه قال : كانت الكهانة في العرب ثلاثة أضرب أحدها أن يكون للانسان ولي من الجن يخبره بما يسترقه من السمع من السماء وهذا القسم بطل من حين بعث نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم إلى ءاخر ما قال وهو ظاهر كلام البوصيري حيث يقول : بعث الله عند مبعثه الشه ب حراسا وضاق عنها الفضاء تطرد الجن عن مقاعد للسم ع كما يطرد الذئاب الرعاء فمحت ءاية الكهانة ءايا ت من الوحي مالهن انمحاء وقد قيل في الجواب عن الاشكال نحو هذا وهو أن تنزل الشياطين والقاءهم ما يسمعونه من السماء إلى أوليائهم حسبما تفيده الآية المذكورة في أحد محاملها إنما كان قبل البعثة حيث لم يكن حينئذ منع أو كان لكنه لم يكن شديدا والمنع من السمع الذي يفيده قوله تعالى : انهم عن السمع لمعزولون إنما كان

الصفحة 141