كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

خواص في الأزمنة والامكنة والاشخاص ولايبعد انقطاع خبر السماء عن الشياطين بالرجم أن يجعل لبعض النفوس الانسانية خاصية التكلم بما يصدق كلا أو بعضا مع اطلاع وكشف يفيد العلم بما أخبر به أو بدون ذلك بان ينطقه سبحانه بشيء فيتكلم به من غير علم بالمخبر به ويوافق الواقع
وقد اتفق لي ذلك وعمري نحو خمس سنين وذلك اني رجعت من الكتاب إلى البيت وشرعت ألعب فيه على عادة الاطفال فنهتني والدتي رحمها الله تعالى عن ذلك وأمرتني بالنوم لاستيقظ صباحا فاذهب الى الكتاب فقلت لها : غدا يقتل الوزير ولا أذهب إلى الكتاب وهو مما لايكاد يمر بفكر فلم تلتفت إلى ذلك وأنامتني فلما أصبحت تأهبت للذهاب فجاء ابن أخت لها وأسر اليها كلاما لم أسمعه فتغير حالها ومنعتني عن الذهاب ولا أدري لم ذلك فاردت الخروج إلى الدرب لألعب مع أمثالي فمنعتني أيضا فقعدت وهي مضطربة البال تطلب أحدا يخبرها عن حال والدي عليه الرحمة حيث ذهب قبيل طلوع الشمس إلى المدرسة فخرجت إلى الدرب على حين غفلة منها فوجدت الناس بين راكض ومسرع يتحدثون بأن الوزير قتله بعض خدمه وهو في صلاة الفجر فرجعت اليها مسرعا مسرورا بصدق كلامي وكنت قد انسيته ولم يخطر ببالي حتى سمعت الناس يتحدثون بذلك وفي اليواقيت والجواهر للشعراني عليه الرحمة في بحث الفرق بين المعجزة والكهانة أن الكهانة كلمات تجري على لسان الكاهن ربما توافق وربما تخالف وفيه شمة مما ذكرنا هذا والله تعالى أعلم
والأظهر على ما قيل أن قوله تعالى : هل انبئكم الخ كلام مسوق منه تعالى لبيان تنزيه النبي صلى الله عليه و سلم عن أن يكون وحاشاه ممن تتنزل عليه الشياطين وإبطال لقولهم في القرآن إنه من قبيل ما يلقى إلى الكهنة وفي البحر ما هو ظاهر في أنه على معنى القول أي قل يا محمد هل أنبئكم الخ وهو مسوق للتنزيه والابطال المذكورين وقوله تعالى والشعراء يتبعهم الغاوون
422
- مسوق لتنزيهه عليه الصلاة و السلام أيضا عن أن يكون حاشاه من الشعراء وإبطال زعم الكفرة أن القرآن من قبيل الشعر والمتبادر منه الكلام المنظوم المقفى ولذلك قال كثير من المفسرين : إنهم رموه عليه الصلاة و السلام بكونه آتيا بشعر منظوم مقفى حتى تأولوا عليه ما جاء في القرآن مما يكون موزونا بادنى تصرف كقوله تعالى ولاتقتلوا النفس التي حرم الله ويكون بهذا الاعتبار شطرا من الطويل وكقوله سبحانه إن قارون كان من قوم موسى ويكون من المديد وكقوله عز و جل فاصبحوا لايرى إلا مساكنهم ويكون من البسيط وقوله تبارك وتعالى : ألا بعدا لعاد قوم هود ويكون من الوافر وقوله جل وعلا صلوا عليه وسلموا تسليما ويكون من الكامل إلى غير ذلك مما استخرجوه منه من سائر البحور وقد استخرجوا منه ما يشبه البيت التام كقوله تعالى ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين
وتعقب ذلك بانهم لم يقصدوا هذا المقصد فيما رموه به صلى الله عليه و سلم إد لايخفى على الاغبياء من العجم فضلا عن بلغاء العرب ان القرآن الذي جاء به صلى الله عليه و سلم ليس على أساليب الشعر وهم ما قالوا فيه عليه الصلاة و السلام شاعر إلا لما جاءهم بالقرآن واستخراج ما ذكر ونحوه منه ليس الا لمزيد فصاحته وسلاسته ولم يؤت به لقصد النظم ولو اعتبر في كون الكلام شعرا إمكان استخراج كلام منظؤم منه لكان كثير من الاطفال شعراء فان كثيرا

الصفحة 145