كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

منمن كلامهم يمكن فيه ذلك والظأهر أنهم إنما قصدوا رميه صلى الله تعالى عليه وسلم بأنه وحاشاه ثم حاشاه يأتي بكلام مخيل لاحقيقة له ولما كان ذلك غالبا في الشعراء الذين يأتون بالمنظوم من الكلام عبروا عنه عليه الصلاة و السلام بشاعر وعما جاء به بالشعر ومعنى الآية والشعراء يجاريهم ويسلك مسلكهم ويكون من جملتهم الغاوون الضالون عن السنن الحائرون فيما يأتون وما يذرون ولايستمرون على وتيرة واحدة في الافعال والاقوال والأحوال لاغيرهم من أهل الرشد المهتدين إلى طريق الحق الثابتين عليه والحصر مستفاد من بناء يتبعهم الخ على الشعراء عند الزمخشري كما قرره في تفسير قوله تعالى الله يستهزيء بهم وقوله سبحانه والله يقدر الليل والنهار ومن لايرى الحصر في مثل هذا التركيب يأخذه من الوصف المناسب أعني أن الغوياة جعلت علة الاتباع فاذا انتفى وقوله تعالى ألم تر أنهم في كل واد يهيمون
522
- استشهاد على أن الشعراء إنما يتبعهم الغاوون وتقرير له والخطاب لكل من تتأتى منه الرؤية للاشارة إلى أن حالهم من الجلاء والظهور بحيث لايختص برؤيته راء دون راء وضمير الجمع للشعراء أي ألم تر أن الشعراء في كل واد من أودية القيل والقال وفي كل شعب من شعاب الوهم والخيال وفي كل مسلك من مسالك الغي والضلال يهيمون على وجوههم لايهتدون إلى سبيل معين من السبل بل يتحيرون في سباسب الغواية والسفاهة ويتيهون في تيه الصلف والوقاحة ديدنهم تمزيق الاعراض المحمية والقدح في الانساب الطاهرة السنية والنسيب بالحرم والغزل والابتهار والتردد بين طرفي الافارط والتفريط في المدح والهجاء وأنهم يقولون ما يفعلون
622
- من الافاعيل غير مكترثين بما يستتبعه من اللوم فكيف يتوهم أن يتبعهم من مسلكهم ذلك ويلحق بهم وينتظم في سلكهم من تنزهت ساحته عن أن يحوم حولها شائبة الاتصاف بشيء من الأمور المذكورة واتصف بمحاسن الصفات الجليلة وتخلق بمكارم الاخلاق الجميلة وحاز جميع الكمالات القدسية وفاز بجملة الملكات السنية الانسية مستقرا على أقوم منهاج مستمرا على صراط مستقيم لايرى له العقل السليم من هاج ناطقا بكل أمر رشيد داعيا إلى صراط الله تعالى العزيز الحميد مؤيدا بمعجزات قاهرة وآيات ظاهرة مشحونة بفنون الحكم الباهرة وصنوف المعارف الباهرة مستقلة بنظم رائق وأسلوب فائق أعجز كل منطق ماهر وبكت كل مفلق ساحر هذا وقد قيل في تنزيهه صلى الله تعالى عليه وسلم عن أن يكون من الشعراء : إن اتباع الشعراء الغاوون واتباعه عليه الصلاة و السلام ليسوا كذلك وتعقب بانه لاريب في أن تعليل عدم كونه صلى الله تعالى عليه وسلم منهم بكون اتباعه عليه الصلاة و السلام غير عاوين مما لايليق بشأنه العالي وقيل : ضمير الجمع للغاوين وتعقب بأن المحدث عنهم الشعراء وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الغاوين هم الرواة الذين يحفظون شعر الشعراء ويروونه عنهم مبتهجين به وفي رواية أخرى عنه أنهم الذين يستحسنون اشعارهم وإن لم يحفظوها وعن مجاهد وقتادة أنهم الشياطين
وروي عن ابن عباس أيضا أن الآية نزلت في شعراء المشركين عبد الله بن الزبعري وهبيرة بن وهب المخزومي ومسافع بن عبد مناف وأبو عزة الجمحي وأمية بن أبي الصلت قالوا : نحن نقول مثل قول محمد وكانوا يهجونه ويجمع اليهم الأعراب من قومهم يستمعون أشعارهم وأهاجيهم وهم والغاوون الذين يتبعونهم
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه أيضا أنه قال : تهاجى رجلان على عهد رسول

الصفحة 146