كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

الله صلى الله عليه و سلم أحدهما من الأنصار والآخر من قوم آخرين وكان مع كل واحد منهما غواة من قومه وهم السفهاء فانزل الله تعالى والشعراء الآيات وفي القلب من صحة الخبر شيء والظاهر من السياق أنها نزلت للرد على الكفرة الذين قالوا في القرآن ما قالوا
وقرأ عيسى بن عمرو الشعراء بالنصب على الاشتغال وقرأ السلمي والحسن بخلاف عنه يتبعهم مخففا وقرأ الحسن وعبد الوارث عن أبي عمرو يتبعهم بالتشديد وتسكين العين تخفيفا وقد قالوا : عضد بسكون الضاد فغيروا الضمة واقعة بعد الفتحة فلأن يغيروها واقعة بعد الكسرة أولى وروى هرون فتح العين عن بعضهم واستشكله أبو حيان وقيل : إنه للتخفيف أيضا واختياره على السكون لحصول الغرض به مع أن فيه مراعاة الأصل في الجملة لما بين الحركتين من المشاركة الجنسية ولا كذلك ما بين الضم والسكون وهو غريب كما لايخفى
إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا استثناء للشعراء المؤمنين الصالحين الذين يكثرون ذكر الله عز و جل ويكون أكثر أشعارهم في التوحيد والثناء على الله سبحانه وتعالى والحث على الطاعة والحكمة والموعظة والزهد في الدنيا والترهيب عن الركون اليها والاغترار بزخارفها والافتتان بملاذها الفانية والترغيب فيما عند الله تعالى ونشر محاسن رسوله صلى الله عليه و سلم ومدحه وذكر معجزاته ليتغلغل حبه في سويداء قلوب السامعين وتزداد رغباتهم في اتباعه ونشر مدائح آله وأصحابه وصلحاء أمته لنحو ذلك ولو وقع منهم في بعض الاوقات هجو وقع بطريق الانتصار ممن هجاهم من غير اعتداء ولا زيادة كما يشير اليه قراءة بعضهم وانتصروا بمثل ما ظلموا وقيل : المراد بالمستثنين شعراء المؤمنين الذين كانوا ينافحون عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ويكافحون هجاة المشركين واستدل لذلك بما أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة إن هذ الآية نزلت في رهط من الانصار هاجوا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم منهم كعب بن مالك وعبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت وعن السدي نحوه وبما أخرج جماعة عن أبي حسن سالم البراد أنه قال : لما نرلت والشعراء اةية جاء عبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت وكعب بن مالك وهم يبكون فقالوا : يارسول الله لقد أنزل الله تعالى هذه الآية وهو يعلم أنا شعراء هلكنا فأنزل الله تعالى إلا الذين آمنوا الخ فدعاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فتلاها عليهم
وأنت تعلم أن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب وأخرج ابن مردويه : واين عساكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قرأ قوله تعالى : إلا الذين آمنوا إلى آخر الصفات فقال : هم أبو بكر وعمر وعي وعبد الله بنرواحة ولعله من باب الاقتصار على بعض ما يدل عليه اللفظ فقد جاء عنه في بعض الروايات ما يشعر بالعموم هذا واستدل بالآية على ذم الشعر والمبالغة في المدح والهجو وغيرهما من فنونه وجوازه في الزهد والأدب ومكارم الأخلاق وجواز الهجو لمن ظلم انتصارا كذا قيل واعلم أن الشعر باب من الكلام حسنه حسن وقبيحه قبيح وفي الحديث إن من الشعر لحكمة وقد سمع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأجاز عليه وقال عليه الصلاة و السلام لحسان رضي الله تعالى عنه : أهجهم يعني المشركين فان روح القدس سيعينك وفي رواية أهجهم وجبريل معك

الصفحة 147