كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

على ما قال الرافعي دون إثم المنشد وقال الأذرعي : ليس على هذا على إطلاقه بل إذا استوى الحاكي والمنشد أما إذا أنشده ولم يذعه فأذاعه الحاكي فاثمه أشد بلا شك واحترز بقيد المسلم عما فيه الهجو الكافر فان فيه تفصيلا
وفصل بعضهم ما فيه الهجو لمسلم أيضا وذلك أن كثير من العلماء اظلقوا جواز هجو الكافر استدلالا بأمره صلى الله تعالى عليه وسلم حسانا ونحوه بهجو المشركين وقال بعضهم : محل ذلك الكفار على العموم وكذأ المعين الحربي ميتا كان أو حيا حيث لم يكن قريب معصوم يتأذى به وأما الذمي أو المعاهد أو الحربي الذي له قريب ذمي أو مسلم يتأذى به فلا يجوز هجوه كما قاله الأذرعي وابن العماد وغيرهما وقالوا : إن هجو حسان وإن كان في معين لكنه في حربي وعلى التنزل فهو ذب عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فيكون من القرب فضلا عن المباحات والحق الغزالي وتبعه جمع المبتدع بالحربي فيجوز هجوه ببدعته لكن لمقصد شرعي كالتحذير من جهته وجوز ابن العماد هجو المرتد دون تارك الصلاة والزاني المحصن وما قاله في المرتد واضح لأنه كالحربي بل أقبح وفي الأخيرين محله حيث لم يتجاهر أما المتجاهر بفسقه فيجوز هجوه بما تجاهر به فقط لجواز غيبته بذلك فقط
وقال البلقيني : الأرجح تحريم هجو المتجاهر المذكور لا لقصد زجره لأنه قد يتوب وتبقى وصمة الشعر السائر عليه ولا كذلك الكافر إذا أسلم ورد بأن مجاهرته بالمعصية وعدم مبالاته بالناس وكلامهم فيه صيراه غير مجترم ولا مراعي فهو المهدر لحرمة نفسه بالنسبة لما تجاهر به فلم يبال ببقاء تلك الوصمة عليه
نعم لو قيل بحرمة إنشاده بعد التوبة إذا كان يتأذى به هو أو قريبه المسلم أو الذمي أو بعد موته إدا كان يتأذى به من ذكر لم يبعد وذكر جماعة أن من جملة المحظور أيضا ما فيه تشبيب بغلام ولو غير معين مع ذكر أنه يعشقه أو بامرأة أجنبية معينة وإن لم يذكرها بفحش أو بأمرأة مبهمة مع ذكرها بالفحش ولم يفرقوا بين إنشاء ذلك وانشاده واعتبر بعضهم التعيين في الغلام كالمرأة فلا يحرم التشبيب بمبهم
قال الأذرعي وهو الأقرب والأول ضعيف جدا وقال أيضا : يجب القطع بانه إذا شبب بحليلته ولم يذكر سوى المحبة والشوق أو ذكر شيئا من التشبيهات الظأهرة أنه لايضر وكذا إذا ذكر امرأة مجهولة ولم يذكر سوءا
وفي الاحياء في حرمة التشبيب بنحو وصف الخدود والاصداغ وسائر أوصاف النساء نظر والصحيح أنه لايحرم نظمه ولا انشاده بصوت وغير صوت وعلى المستمع أن ينزله على أمرأة معينة فان نزله على حليلته جاز أو على غيرها فهو العاصي بالتنزيل ومن هذا وصفه فينبغي أن يجتنب السماع وذكر بعض الفضلاء أن ما يحرم انشاؤه قد لاتحرم روايته فان المغازي روي فيها قصائد الكفار الذين هاجوا فيها الصحابة رضي الله تعالى عنهم ولم ينكر ذلك أحد وقد روي أنه صلى الله عليه و سلم اذن في الشعر الذي تقاولت به الشعراء في يومي بدر وأحد وغيرهما إلا قصيدة ابن أبي الصلت الحائية انتهى قال الاذرعي ولاشك في هذا إذا لم يكن فيه فحش ولا أذى لحي ولا ميت من المسلمين ولم تدع حاجة اليه وقد ذم العلماء جريرا والفرزدق في تهاجيهما ولم يذموا من استشهد بذلك على اعراب وغيره من علم اللسان ويجب حمل كلام الأئمة على غير ذلك مما هو عادة أهل اللعب والبطالة وعلى انشاد شعر شعراء العصر إدا كان إنشاؤه حراما إد ليس فيه إلا أذى أو وقيعة في الأحياء

الصفحة 151