كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

أو اساءة الاحياء في أمواتهم أو ذكر مساويء الاموات وغير ذلك وليس مما يحتج به في اللغة ولا غيرها فلم يبق الا اللعب بالاعراض وزاد بعض حرمة شعر فيه تعريض وجعل التعريض في الهجو كالتصريح وله وجه وجيه
وقال آخر : إن ما فيه فخر مذموم وقليله ككثيره والحق إن ذلك ان تضمن غرضا شرعيا فلا بأس به وللسلف شعر كثير من ذلك وقد تقدم لك بعض منه وحمل الاكثرون الخبر السابق على ما إذا غلب عليه الشعر وملك نفسه حتى اشتغل به عن القرآن والفقه ونحوهما ولذلك ذكر الامتلاء والحاصل أن المذموم امتلاء القلب من الشعر بحيث لايتسع لغيره ولايلتفت اليه وليس في الخبر ذم انشائه ولا انشاده لحاجة شرعية والا لوقع التعارض بينه وبين الاخبار الصحيحة الدالة على حل ذلك وهي أكثر من أن تحصى وبعد من أن تقبل التأويل كما لايخفى
وما روي عن الامام الشافعي من قوله : ولولا الشعر بالعلماء يزري لكنت اليوم أشعر من لبيد محمول على نحو ما حمل الاكثرون الخبر عليه والا فما قاله شعر وفي معناه قول شيخنا علاء الدين علي أفندي تغمده الله تعالى برحمته مخاطبا خاتمة الوزراء في الزوراء داود باشا من أبيات
ولو لداعيه يرضى الشعر منقبة لقمت ما بين منشيه ومنشده هذا وسيأتي إن شاء الله تعالى كلام يتعلق بهذا البحث أيضا عند الكلام في قوله تعالى : وما علمناه الشعر وما ينبغي له ومن اللطائف أن سليمان بن عبد الملك سمع قول الفرزدق : فبتن بجانبي مصرعات وبت أفض أغلاق الختام فقال له قد وجب عليك الحد فقال يا أمير المؤمنين : قد درأ الله تعالى عني الحد بقوله سبحانه : وانهم يقولون مالا يفعلون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون
722
- تهديد شديد ووعيد أكيد لما في سيعلم من تهويل متعلقة وفي الذين ظلموا من الاطلاق والتعميم وقد كان السلف الصالح يتواعظون بها وختم بها أبو بكر رضي الله تعالى عنه وصيته حين عهد لعمر رضي الله تعالى عنه وذلك أنه أمر عثمان رضي الله تعالى عنه أن يكتب في مرض موته حينئذ بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد به أبو بكر بن أبي قحافة عند آخر عهده بالدنيا وأول عهده بالآخرة في الحال التي يؤمن فيها الكافر ويتقي فيها الفاجر ويصدق فيها الكاذب اني قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب فان يعدل فذاك ظني به ورجائي فيه وأن يجر ويبدل فلا علم لي بالغيب والخير أردت ولكل امريء ما اكتسبت وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون وتفسير الظلم بالكفر وإن كان شائعا في عدة مواضع من القرءان الكريم إلا أن الأنسب على ما قيل هنا الاطلاق لمكان قوله تعالى من بعد ما ظلموا وقال الطيبي : سياق الآية بعد ذكر المشركين الذين ءاذوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ومالقي منهم من الشدائد كما مر من أول السورة يؤيد تفسير الظلم بالكفر
وروى محي السنة الذين ظلموا أشركوا وهجوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وقرأ ابن عباس وابن أرقم عن الحسن أي منفلت ينفلتون بالفاء والتاء الفوقية من الانفلات بمعنى النجاة والمعنى أن الظالمين يطمعون أن ينفلتوا من عذاب الله الله تعالى وسيعلمون أن ليس لهم وجه من وجوه الانفلات وسيعلم هنا معلقة وأي استفهام مضاف إلى منقل والناصب له ينقلبون والجملة سادة مسد المفعولين كذا في البحر

الصفحة 152