كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

وقال أبو البقاء : أي منقلب مصدر نعت لمصدر محذوف والعامل ينقلبون أي ينقلبون انقلابا أي منقلب ولا يعمل فيه يعلم لأن الاستفهام لايمعمل فيه ما قبله : وتعقب بأنه تخليط لأن أيا إذا وصف بها لم تكن استفهاما وقد صرحوا بأن الموصوف بها قسيم الاستفهامية وتحقيق انقسام أي يطلب من كتب النحو والله تعالى أعلم
ومما قيل في بعض الآيات من الاشارة طسم قال الجنيد الطاء طرب التائبين في ميدان الرحمة والسين سرور العارفين في ميدان الوصلة والميم مقام المحبين في ميدان القربة وقيل : الطاء طهارة القدم من الحدثان والسين سناء صفاته تعالى التي تكشف في مرايا البرهان والميم مجده سبحانه الذي ظهر بوصف البهاء في قلوب أهل العرفان وقيل : الطاء طهارة قلب نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم عن تعلقات الكونين والسين سيادته صلى الله تعالى عليه وسلم على الأنبياء والمرسلين عليهم السلام والميم مشاهدته عليه الصلاة و السلام جمال رب العالمين وقيل : الطاء شجرة طوبى والسين سدرة المنتهى والميم محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وقيل غير ذلك لعلك باخع نفسك أن لايكونوا مؤمنين الخ فيه إشارة إلى كمال شفقته صلى الله عليه و سلم على أمته وان الحرص على ايمان الكافر لايمنع سوابق الحكم وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين قوم فرعون ألا يتقون إلى ءاخر القصة فيه اشارة إلى حسن التعاضد في المصالح الدينية والتلطف بالضال في الزامه بالحجج القطعية وأنه لاينبغي عدم الاحتفال بمن ربيته صغيرا ثم رأيته وقد منحه الله تعالى ما منحه من فضله كبيرا وقال بعضهم : إن فيه اشارة إلى ما في الأنفس وجعل موسى إشارة إلى موسى القلب وفرعون إشارة فرعون النفس وقومه اشارة الى الصفات النفسانية وبني اسرائيل إشارة الى الصفات الروحانية والعفلة إشارة إلى قتل قبطي الشهوة والعصا إشارة إلى عصا الذكر أعنى لا إله إلا الله واليد إشارة إلى يد القدرة وكونها بيضاء إشارة الى كونها مؤيدة بالتأييد الالهي والناظرين إشارة إلى أرباب الكشف الذين ينظرون بنور الله تعالى والسحرة إشارة إلى الأوصاف البشرية والأخلاق الردية إشارة إلى الصفات الناسوتية والأجر إشارة إلى الحظوظ الحيوانية والحبال إشارة إلى حبال الحيل والعصي إلى عصي التمويهات والمخيلات والمدائن اشارة إلى أطوار النفس وهكذا
وعلى هدا الطريق سلكوا في الاشارة في سائر القصص فجعلوا ابراهيم إشارة إلى القلب وأباه وقومه اشارة الى الروح وما يتولد منها والاصنام اشارة الى ما يلائم الطباع من العلويات والسفليات وهكذا مما لايخفى على من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد وللشيخ الأكبر قدس سره في هذه القصص كلام عجيب من أراده فليطلبه في كتبه وهو قدس سره ممن ذهب الى أن خطيئة ابراهيم عليه السلام التي أرادها بقوله والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين كانت اضافة المرض الى نفسه في قوله واذأ مرضت فهو يشفين وقد ذكر قدس سره إنه اجتمع مع ابراهيم عليه السلام فسأله عن مراده بها فاجابه بما ذكر وقال في باب أسرار الزكاة من الفتوحات إن قول الرسول إن أجري إلا على رب العالمين لايقدح في كمال عبوديته فان قوله : ذلك لأن يعلم أن كل عمل خالص يطلب الاجر بذاته وذلك لايخرج العبد عن أوصاف العبودية فان العبد في صورة الاجير وليس بأجير حقيقة إذ لايستأجر السيد عبده بل يستأجر

الصفحة 153