كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

في نحو هو عرف وكذا يفيد التأكيد لما فيه من تكرار الضمير
وزعم أبو حيان أن فيما ذكره الزمخشري دسيسة الاعتزال ولايخفى أنه ليس في كلامه أكثر من الاشارة إلى أن المؤمن العاصي لم يوقن بالآخرة حق الايقان ولعل جعل ذلك دسيسة مبني على أنه بنى ذلك على مذهبه في أصحاب الكبائر وقوله فيهم بالمنزلة بين المنزلتين وأنت تعلم أن القول بما أختاره في الآية لايتوقف على القول المذكور وتغيير النظم الكريم على الوجهين الأولين لما لايخفى وتقديم بالآخرة في جميع الأوجه لرعاية الفاصلة وجوز أن يكون للحصر الاضافي كما في الحواشي الشهابية إن الذين لايؤمنون بالأخرة بيان لأحوال الكفرة بعد أحوال المؤمنين أي لايؤمنون بها وبما فيها من الثواب على الأعمال الصالحة والعقاب على الأعمال السيئة حسبما ينطق به القرآن زينا لهم أعمالهم القبيحة بما ركبنا فيهم من الشهوات والأماني حتى رأوها حسنة فهم يعمهون
4
- يتحيرون ويترددون والاستمرار في الاشتغال بها والانهماك فيها من غير ملاحظة لما يتبعها والفاء لترتيب المسبب على السبب ونسبة التزيين اليه عز و جل عند الجماعة حقيقة وكذا التزيين نفسه وذهب الزمخشري إلى أن التزيين إما مستعار للتمتيع بطول العمر وسعة الرزق وإما حقيقة واسناده اليه سبحانه وتعالى مجاز وهو حقيقة للشيطان كما في قوله تعالى زين لهم الشيطان أعمالهم
والمصحح لهذا المجاز إمهاله تعالى الشيطان وتخليته حتى يزين لهم والداعي له إلى أحد الأمرين إيجاب رعاية الاصلح عليه عز و جل ونسب الى الحسن أن المراد بالأعمال الحسنة وتزيينها بيان حسنها في أنفسها حالا واستتباعها لفنون المنافع مآلا أي زينا لهم الاعمال الحسنة فهم يترددون في الضلال والاعراض عنها
والفاء عليه لترتيب ضد المسبب على السبب كما في قولك : وعظته فلم يتعظ وفيه إيذان بكمال عتوهم ومكابرتهم وتعكيسهم الأمور وتعقب هذا القول بأن التزيين قد ورد غالبا في غير الخير نحو قوله تعالى : زين للناس حب الشهوات زين للذين كفروا الحياة الدنيا زين لكثير من المشركين الخ ووروده في الخير قليل نحو قوله تعالى : حبب اليكم الايمان وزينه في قلوبكم ويبعد حمل الاعمال على الاعمال الحسنة إضافتها إلى ضميرهم وهم لم يعملوا حسنة أصلا وكون إضافتها إلى ذلك باعتبار أمرهم بها وإيجابها عليهم لايدفع البعد
وذكر الطيبي أنه يؤيد ما ذكر أولا أن وزان فاتحة هذه السورة إلى ههنا وزان فاتحة البقرة فقوله تعالى : إن الذين لايؤمنون بالآخرة كقوله تعالى : ان الذين كفروا وقوله سبحانه زينا لهم أعمالهم كقوله جل وعلا ختم الله على قلوبهم
وقد سبق بيان وجه دلالة ذلك على مذهب الجماعة هناك وان التركيب من باب تحقيق الخبر وان المعنى استمرارهم على الكفر وانهم بحيث لايتوقع منهم الايمان ساعة فساعةأمارة لرقم الشقاء عليهم في الأزل والختم على قلوبهم وانه تعالى زين لهم سوء اعمالهم فهم لذلك في تيه الضلال يترددون وفي بيداء الكفر يعمهون ودل على هذا التأويل ايقاع لفظ المضارع في صلة الموصول والماضي في خبره وترتيب قله تعالى : فهم يعمهون بالفاء عليه واختصاص الخطاب بما يدل على الكبرياء والجبروت من باب تحقيق الخبر نحو قول الشاعر : ان التي ضربت بيتا مهاجرة بكوفة الجند غالت ودها غول

الصفحة 157