كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

لهم وقت قول موسى عليه السلام لأهله وجوز أن تكون إذ ظرفا لعليم وتعقبه في البحر بان ذلك ليس بواضح إذ يصير الوصف مقيدا بالمعمول وقال في الكشف : مايتوهم من دخل التقييد بوقت معين مندفع إذ ليس مفهوما معتبرا عند المعتبر ولأنه لما كان تمهيد القصة حسن أن يكون قيدا لها كانه قيل : ما أعلمه حيث فعل بموسى عليه السلام ما فعل ولما كان ذلك من دلائل العلم والحكمةعلى الاطلاق لم يضر التقييد بل نفع لرجوعه بالحقيقة إلى نوع من التعليل والتذكير اه ولايخفى أن الظاهر مع هذا هو الوجه الأول ثم أن قول موسى عليه السلام إني ءانست نارا سآتيكم منها بخبر كان في أثناء سيره خارجا من مدين عند وادي طوى وكان عليه السلام قد حاد عن الطريق في ليلة باردة مظلمة فقدح فاصلد زنده فبدا له من جانب الطور نارا والمراد بالخبر الذي يأتيهم به من جهة النار الخبر عن حال الطريق لأن من يذهب لضوء نار على الطريق يكون كذلك ولم يجرد الفعل عن السين إما للدلالة على بعد مسافة النار في الجملة حتى لايستوحشوا إن أبطأ عليه السلام عنهم أو لتأكيد الوعد بالاتيان فانها كما ذكره الزمخشري تدخل في الوعد لتأكيده وبيان أنه كائن لامحالة وإن تأخر وما قيل من أن السين للدلالة على تقريب المدة دفعا للاستيحاش إنما ينفع على ما قيل في اختياره على سوف دون التجريد الذي يتبادر من الفعل معه الحال الذي هو أتم في دفع الاستيحاش
ولعل الأولى اعتبار كونه للتأكيد ولا يقال : أنه عليه السلام لم يتكلم بالعربية وما ذكر من مباحثها لانا نقول : مالمانع من أن يكون في غير اللغة العربية ما يؤدي مؤداها بل حكاية القول عنه عليه السلام بهذه الالفاظ يقتضي أنه تكلم في لغته مما يؤدي ذلك ولابد وجمع الضمير إن صح انه لم يكن معه عليه السلام غير امرأته للتعظيم وهو الوجه في تسمية الله تعالى شأنه امرأة موسى عليه السلام بالأهل مع أنه جماعة الاتباع أو ءاتيكم بشهاب قبس أي بشعلة نار مقبوسة أي ماخوذة من أصلها فقبس صفة شهاب أو بدل منه وهذه قراءة الكوفيين ويعقوب وقرأ باقي السبعة بشهاب قبس بالاضافة واختارها ابو الحسن وهي إضافة بيانية لما بينهما من العموم والخصوص كما في ثوب خز فان الشهاب يكون قبسا وغير قبس والعدتان على سبيل الظن ولذلك عبر عنهما بصيغة الترجي في سورة طه فلا تدافع بين ما وقع هنا وما وقع هناك والترديد للدلالة على أنه عليه السلام ان لم يظفر بهما لم يعدم احدهما بناء على ظاهر الأمر وثقة بسنة الله عز و جل انه لايكاد يجمع حرمانين على عبده
وقيل : يجوز أن يقال الترديد لأن احتياجه عليه السلام إلى أحدهما لالهما لأنه كان في حال الترحال وقد ضل عن الطريق فمقصوده أن يجد احدا يهدي الى الطريق فيستمر في سفره فان لم يجده يقتبس نارا ويوقدها ويدفع ضرر البرد في الاقامة
وتعقب بأنه قد ورد في القصة أنه عليه السلام كان قد ولد له عند الطور ابن في ليلة شاتية وظلمة مثلجة وقد ضل الطريق وتفرقت ماشيته فرأى النار فقال لأهله ما قال وهو يدل على احتياجه لهما معا لكنه تحرى عليه السلام الصدق فاتى باو لعلكم تصطلون
7
- أي رجاء أو لأجل أن تستدفئوا بها والصلاء بكسر الصاد والمد ويفتح بالقصر الدنو من النار لتسخين البدن وهو الدفؤ ويطلق على النار نفسها أو هو بالكسر الدفؤ

الصفحة 159