كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

بالموصولين وأيا ما كان فاملارد بذلك بشارة موسى عليه السلام والمراد بقوله تعالى على ما قيل : وسبحان الله رب العالمين
8
- تعجيب له عليه السلام من ذلك وايذان بأن ذلك مريده ومكونه رب العالمين تنبيها على أن الكائن من جلائل الأمور وعظائم الشؤن ومن أحكام تربيته تعالى للعالمين أو خبر له عليه السلام بتنزيهه سبحانه لئلا يتوهم من سماع كلامه تعالى التشبيه بما للبشر أو طلب منه عليه السلام لذلك
وجوز أن يكون تعجبا صادرا منه عليه السلام بتقدير القول أي وقال سبحان الله الخ وقال السدي : هو من كلام موسى عليه السلام قاله لما سمع النداء من الشجرة تنزيها لله تعالى عن سمات المحدثين وكأنه على تقدير القول أيضا وجعل المقدر عطفا على نودي وقال ابن شجرة : هو من كلام الله تعالى ومعناه وبورك من سبح الله تعالى رب العالمين وهذا بعيد من دلالة اللفظ جدا وقيل : هو خطاب لنبينا صلى الله عليه و سلم مراد به التنزيه وجعل معترضا بين ما تقدم وقوله تعالى : يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم
9
- فانه متصل معنى بذلك والضمير للشأن وقوله سبحانه أنا الله مبتدأ وخبر و العزيز الحكيم نعتان للاسم الجليل ممهدتان لما أريد إظهاره على يده من المعجزة أي أنا الله القوي القادر على مالا تناله الأوهام من الأمر العظام التي من جملتها أمر العصا واليد الفاعل كل ما افعله بحكمة بالغة وتدبير رصين والجملة خبران مفسرة لضمير الشأن
وجوز أن يكون الضمير راجعا إلى ما دل عليه الكلام وهو المكلم المنادى و أنا خبر أي ان مكلمك المنادي لك أنا والاسم الجليل عطف بيان لانا وتجوز البدلية عند من جوز ابدال الظاهر من ضمير المتكلم بدل كل ويجوز أن يكون أنا توكيدا للضمير و الله الخبر وتعقب أبو حيان ارجاع الضمير للمكلم المنادي بانه إذا حذف الفاعل وبني فعله للمفعول لايجوز عود ضمير على ذلك المحذوف لأنه نقض للغرض من حذفه والعزم على أن لايكون محدثا عنه وفيه أنه لم يقل أحد أنه عائد على الفاعل المحذوف بل على مادل عليه الكلام ولو سلم فلاامتناع في ذلك إذا كان في جملة أخرى وأيضا قوله على أن لايكون محدثا عنه غير صحيح لأنه قد يكون محدثا عنه ويحذف للعلم به وعدم الحاجة إلى ذكره ثم ان الحمل مفيد من غير رؤية لأنه عليه السلام علمه سبحانه علم اليقين بما وقر في قلبه فكأنه رآه عز و جل هذا وفي قوله تعالى : أن بورك من في النار الخ أقوال أخر الاول ان المراد بمن في النار نور الله تعالى وبمن حولها الملائكة عليهم السلام وروي ذلك عن قتادة والزجاج
والثاني أن المراد بمن في النار الشجرة التي جعلها الله محلا للكلام وبمن حولها الملائكة عليهم السلام أيضا ونقل هذا عن الجبائي وفي ما ذكر إطلاق من على غير العالم
والثالث ما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال في قوله تعالى : أن بورك من في النار يعني تبارك وتعالى نفسه كان نور رب العالمين في الشجرة ومن حولها يعني الملائكة عليهم السلام واشتهر عنه كون المراد بمن في النار نفسه تعالى وهو مروي أيضا عن الحسن وابن جبير وغيرهما في البحر وتعقب ذلك الامام بأنا نقطع بأن هذه الرواية عن ابن عباس موضوعة مختلقة
وقال أبو حيان : إذا ثبت ذلك عن ابن عباس ومن ذكر أول على حذف أي بورك من قدرته وسلطانه في النار وذهب الشيخ ابراهيم الكوراني في رسالته تنبيه العقول على تنزيه الصوفية عن اعتقاد التجسيم والعينية والاتحاد والحلول

الصفحة 161