كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

الى صحة الخبر عن الحبر رضي الله تعالى عنه وعدم احتياجه الى التأويل المذكور فان الذي دعا المؤولين أو الحاكمين بالوضع إلى التأويل أو الحكم بالوضع ظن دلالته على الحلول المستحيل عليه تعالى وليس كذلك بل ما يدل عليه هو ظهوره سبحانه في النار وتجليه فيها وليس ذلك من الحلول في شيء فان كون الشيء مجلي لشيء ليس كونه محلا له فان الظأهر في المرآة مثلا خارج عن المرآة بذاته قطعا بخلاف الحال في محل فانه حاصل فيه ثم إن تجليه تعالى وظهوره في المظاهر يجامع التنزيه ومعنى الآية عنده فلما جاءها نودي أن بورك أي قدس أو نحو ذلك من تجلى وظهر في صورة النار لما اقتضته الحكمة لكونها مطلوبة لموسى عليه السلام ومن حولها من الملائكة أو منهم ومن موسى عليه السلام وقوله تعالى وسبحان الله دفع لما يتوهمه التجلي في مظهر النار من التشبيه أي وسبحان الله عن التقيد بالصورة والمكان والجهة وإن ظهر فيها بمقتضى الحكمة لكونه موصوفا بصفة رب العالمين الواسع القدوس الغني عن العالمين ومن هو كذلك لايتقيد بشيء من صفات المحدثات بل هو جل وعلا باق على إطلاقه حتى عن قيد الاطلاق في حال تجليه وظهوره فيما شاء من المظاهر
ولهذا ورد في الحديث الصحيح سبحانك حيث كنت فاثبت له تعالى التجلي في الحيث ونزهه عن أن يتقيد بذلك ياموسى إنه أي المنادي المتجلي في النار أنا الله العزيز فلا أتقيد بمظهر للعزة الذاتية لكني الحكيم ومقتضى الحكم الظهور في صورة مطلوبك وذكر أن تقدير المضاف كما فعل بعض المفسرين عدول عن الظاهر لظن المحذور فيه وقد تبين أن لامحذور فلا حاجة إلى العدول انتهى وكأني بك تقول : هذا طور ما وراء طور العقول ثم إنه لامانع على أصول الصوفية أن يريدوا بم حولها الله عز و جل أيضا إد ليس في الدار عندهم غيره سبحانه ديار ولا بعد في أن تكون الآية عند ابن عباس إن صح عنه ما ذكر من المتشابه والمذاهب في معلومة عندك والأوفق بالعامة التأويل بأن يقال : المراد أن بورك من ظهر نوره في النار
ولعل في خبر الحبر السابق ما يشير اليه وإضافة النور اليه تعالى لتشريف المضاف وهو نور خاص كان مظهرا لعظيم قدرته تعالى وعظمته وسمعت من بعض أجلة المشايخ يقول : إن هذا النور لم يكن عينا ولا غيرا على نحو قول الأشعري في صفاته عز و جل الذاتية وهو أيضا منزع صوفي يرجع بالآخرة إلى حديث التجلي والظهور كما لايخفى فتأمل
والق عصاك عطف على بورك منتظم معه في سلك تفسير النداء أو نودي أن بورك وأن الق عصاك ويدل عليه قوله تعالى : وان الق عصاك بعد قوله سبحانه : ان ياموسى إني أنا الله بتكرير أن فان القرآن يفسر بعضه بعضا وهذا ما اختاره الزمخشري وأورد عليه أن تجديد النداء في قوله تعالى ياموسى الخ يأباه ورد بانه ليس بتجديد نداء لأنه من جملة تفسير النداء المذكور وقيل : لايأباه لأنه جملة معترضة وفيه بحث واعترض أيضا بأن بورك اخبار والق إنشاء ولا يعطف الانشاء على الاخبار ومن هنا قيل : إن العطف على ذلك بتقدير وقيل له : الق أو العطف على مقدر أي افعل ما آمرك والق وفيه إنه في مثلهذا يجور عطف الانشاء على الاخبار لكون النداء في معنى القول بل أجاز سيبويه جاء زيد ومن عمرو بالعطف
ولايرد هذا أصلا على من يجعل بورك انشاء ويرد على من جعل العطف على أفعل محذوفا أن الظأهر حينئذ فالق بالفاء واختار أبو حيان كون العطف على جملة إنه أنا الله العزيز الحكيم ولم يبال باختلاف

الصفحة 162