كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

الجملتين اسمية وفعلية واخبارية وانشائية لما ذكر أن الصحيح عدم اشتراط تناسب الجملتين المتعاطفتين في ذلك لما سمعت آنفا عن سيبويه والفاء في قوله تعالى فما رءاها تهتز فصيحة تفصح عن جملة قد حذفت ثقة بظهورها ودلالة على سرعة وقوع مضمونها كأنه قيل : فالقاها فانقلبت حية فلما أبصرها تتحرك بشدة اضطراب وجملة تهتز في موضع الحال من مفعول رأى فانها بصرية كما أشرنا اليه لاعلمية كما قيل
وقوله تعالى : كأنها جان في موضع حال أخرى منه أو هو حال من ضمير تهتز على طريقة التداخل والجان الحية الصغيرة السرية الحركة شبهها سبحانه في شدة حركتها واضطرابها مع عظم جثتها بصغار الحيات السريعة الحركة فلا ينافي هذا قوله تعالى في موضع آخر : فاذا هي ثعبان مبين
وقيل : يجوز أن يكون الاخبار عنها بصفات مختلفة باعتبار تنقلها فيها وقرأ الحسن والزهري وعمرو بن عبيد جأن بهمزة مفتوحة هربا من التقاء الساكنين وإن كان على حده كما قيل : دأبة وشأبة
ولى مدبرا أي انهزم ولم يعقب أي ولم يرجع على عقبه من عقب المقاتل إذا كر بعد الفرار قال الشاعر : فما عقبوا إذ قيل هل من معقب ولا نزلوا يوم الكريهة منزلا وهذا مروي عن مجاهد وقريب منه قول قتادة : أي لم يتلفت وهو الذي ذكره الراغب وكان ذلك منه عليه السلام لخوف لحقه قيل : لمقتضى البشرية فان الانسان إذا رأى أمرا هائلا جدا يخاف طبعا أو لما أنه ظن أن ذلك لأمر أريد وقوعه به ويدل على ذلك قوله سبحانه : ياموسى لاتخف أي من غيري أي مخلوق كان حية أو غيرها ثقة بي واعتمادا علي أو لاتخف مطلقا على تنزيل الفعل منزلة اللازم وهذا إما لمجرد الايناس دون إرادة حقيقة النهي وإما للنهي عن منشأ الخوف وهو الظن الذي سمعته وقوله تعالى : إني لايخاف لدي المرسلون
1
- تعليل للنهي عن الخوف وهو على ما قيل يؤيد أن الخوف كان للظن المذكور وأن المراد لاتخف مطلقا والمراد من لدي في حضرة القرب مني وذلك حين الوحي
والمعنى أن الشأن لاينبغي للمرسلين أن يخافوا حين الوحي اليهم بل لايخطر ببالهم الخوف وإن وجد ما يخاف منه لفرط استغراقهم إلى تلقي الأوامر وانجذاب أورواحهم إلى عالم الملكوت والتقييد بلدي لأن المرسلين في سائر الأحيان أخوف الناس من الله عز و جل فقد قال تعالى : إنما يخشى الله من عباده العلماء ولا أعلم منهم بالله تعالى شأنه وقيل : المعنى لاتخف من غيري أو لاتخف مطلقا فان الذي ينبغي أن يخاف منه أمثالك المرسلون إنما هو العاقبة وأن الشأن لايكون للمرسلين عندي سوء عاقبة ليحافوا منه
والمراد بسوء العاقبة ما في الآخرة لا ما في الدنيا لئلا يرد قتل بعض المرسلين عليهم الصلاة والسلام والمراد بلدي على ما قاله الخفاجي : عند لقائي وفي حكمي على ما قاله ابن الشيخ وأيا ما كان يلزم مما ذكر أن المرسلين عليهم السلام لايخافون سوء العاقبة لأن الله تعالى آمنهم من ذلك فلو خافوا لزم أن لايكونوا واثقين به عز و جل وهذا هو الصحيح كما في الحواشي الشهابية عند الاشعري وظاهر اةثار يقتضي أنهم عليهم السلام كانوا يخافون ذلك فقد روي أنه عليه الصلاة و السلام كان يكثر أن يقول : يامقلب القلوب ثبت قلبي على دينك

الصفحة 163