كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

اللهالله تعالى على فعله وتزجره عن الشر مع بقاء الاختيار وتحقيق للابتلاء اه وهو ظاهر على عدم الاستحالة الذاتية لصدور الذنب ولعل ما وقع في كلام بعض الاجلة من استحالة وقوع الذنب منهم عليهم السلام محمول على الاستحالة الشرعية كما يؤذن به كلام العلامة ابن حجر في شرح الهمزية وبالجملة الذي تقتضيه الظواهر ويشهد له العقل أن الأنبياء عليهم يخافون ولايأمنون مكر الله تعالى لأنه وإن استحال صدور الذنب عنهم شرعا لكنه غير مستحيل عقلا بل هو من الممكنات التي يصح تعلق قدرة الله تعالى بها ومع ملاحظة امكانه الذاتي وأن الله تعالى لايجب عليه شيء وقيام احتمال تقييد المطلق بمالم يصرح به لحكمة كالمشيئة لايكاد يأمن معصوم من مكر الملك الحي القيوم فالأنبياء والملائكة كلهم خائفون ومن خشيته سبحانه عز و جل مشفقون وليس لك أن تخص خوفهم بخوف الاجلال إذ الظاهر العموم ولا دليل على الخصوص يعول عليه عند فحول الرجال نعم قد يقال بامكان حصول الامن من المكر وذلك بخلق الله تعالى علما ضروريا في العبد بعدم تحقق ما يخاف منه في وقت من الأوقات أصلا لعلم الله تعالى عدم تحققه كذلك وإن كان ممكنا ذاتيا ولعله يحصل لأهل الجنة لتتم لذتهم فيها فقد قيل : فان شئت ان تحيا حياة هنيئة فلا تتخذ شيئا تخاف له فقدا ولايبعد حصوله لمن شاء الله تعالى من عباده يوم القيامة قبل دخولها أيضا ولم تقم أمارة عندي على حصوله في هذه النشأة لأحد والله تعالى أعلم فتأمل ذاك والله تعالى يتولى هداك وروى الامام عن بعضهم أنه قال معنى الآية : إني إذا أمرت المرسلين باظهار معجز فينبغي أن لايخافوا فيما يتعلق باظهار ذلك وإلا فالمرسل قد يخاف لامحالة وقوله تعالى : إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فاني غفور رحيم
11
- الاستثناء فيه منقطع عند كثير إلا أنه روي عن الفراء والزجاج وغيرهما أن المراد بمن ظلم من أذنب من غير الأنبياء عليهم السلام قال صاحب المطلع : والمعنى عليه لكن من ظلم من سائر العباد ثم تاب فاني أغفر له وقال جماعة : إن المراد به من فرطت منه صغيرة ما وصدر منه خلاف الأولى بالنسبة إلى شأنه من المرسلين عليهم السلام
والمراد استدراك ما يختلج في الصدور من نفي الخوف عن كلهم وفيهم من صدر منه ذلك والمعنى عليه لكن من صدر منهم ما هو في صورة الظلم ثم تاب فاني أغفر له فلا ينبغي أن يخاف أيضا وهو شامل على مقيل لمن فعل منهم شيئا من ذلك قبل رسالته وخصه بعضهم بمن صدر منه شيء من ذلك قبل النبوة وقال : يؤيده لفظة ثم فانها ظاهرة في التراخي الزماني ولعل الظاهر كونه خاصا بمن صدر منه بعد الرسالة لظهور المرسل في المتلبس بالرسالة لافيمن يتلبس بها بعد أو الأعم وكأن فيما ذكر على الوجهين الأولين تعريضا بما وقع من موسى عليه السلام من وكزه القبطي واستغفاره وتسميته ظلما مشاكلة لقوله عليه السلام ظلمت نفسي ولم يجعلوه على هذا متصلا مع دخول المستثني في المستثنى منه أعني المرسلين مطلقا لأنه لو كان متصلا لزم إثبات الخوف لمن فرطت منه صغيرة ما منهم لاستثنائه من الحكم وهو نفي الخوف عنهم ونفي النفي إثبات وذلك خلاف المراد فلايكون متصلا بل هو شروع في حكم آخر
ورجح الطيبي ما قاله الجماعة بأن مقام تلقي الرسالة وابتداء المكالمة مع الكليم يقتضي إزالة الخوف بالكلية وهو ظاهر على ما قالوه وروي عن الحسن ومقاتل وابن جريج والضحاك ما يقتضي أنه استثناء متصل

الصفحة 165