كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

والظاهر أنهم أرادوا بمن من اراده الجماعة وفي اتصاله على ما سمعت خفاء وربما يقال : إن من يطلق الاتصال عليه في رأي الجماعة يكتفي في الاتصال بمجرد كون المستثنى من جنس المستثنى منه فان كفى فذاك وإلا يلتزم إثبات الخوف ويجعل بدل عطفا على مستأنف محذوف كأنه قيل : إلا من فرطت منه صغيرة فانه يخاف فمن فرط ثم تاب غفر له فلا يخاف وحاصله إلا من ظلم فانه يخاف أولا ويزول عنه الخوف بالتوبة آخرا وعن الفراء في رواية أخرى عنه أنه استثناء متصل من جملة محذوفة والتقدير وإنما يخاف غيرهم إلا من ظلم ورده النحاس بأن الاستثناء من محذوف لايجوز ولو جاز هذا لجاز أن يقال : لاتضرب القوم إلا زيدا على معنى وإنما اضرب غيرهم إلا زيدا وهذا ضد البيان والمجيء بما لايعرف معناه انتهى وهو كما قال ولايجدي نفعا القول باعتبار مفهوم المخالفة وقالت فرقة : إن إلا بمعنى الواو والتقدير ولا من ظلم الخ
وتعقبه في البحر بأنه ليس بشيء للمباينة التامة بين إلا والواو فلا تقع أحداهما موقع الأخرى وحسن الظن يجوز أنهم لم يصرحوا بكون إلا بمعنى الواو وإنما فهم من نسبة اليهم من تقديرهم وهو يحتمل أن يكون تقدير معنى لا اعراب فلا تغفل والظاهر انقطاع استثناء ولعل الأوفق بشأن المرسلين أن يراد بمن ظلم من ارتكب ذنبا كبيرا أو صغيرا من غيرهم وثم يحتمل أن تكون للتراخي الزماني فتفيد الآية المغفرة لمن بدل على الفور من باب أولى ويحتمل أن تكون للتراخي الرتبي وهو ظاهر بين الظلم والتبديل المذكور والتبديل قد يتعدى إلى مفعولين بنفسه نحو بدلناهم جلودا غيرها وقد يتعدى إلى أحدهما بنفسه وإلى اةخر بالباء أو بمن وهو المذهوب به والمبدل منه نحو بدله بخوفه أو من خوفه أمنا وقد يتعدى إلى واحد نحو بدلت الشيء أي غيرته ومنه فمن بدله بعدما سمعه والمعنى هنا على المتعدي الى مفعولين وقد تعدى إلى أحدهما وهو المبدل منه بالباء أو بمن فكأنه قيل : ثم بدل بظلمه أو من ظلمه حسنا ويشير اليه قوله تعالى : بعد سوء وحاصله ثم ترك الظلم وأتى بحسن والمراد به التوبة فيكون المعنى في الآخرة إلا من ظلم ثم تاب وعدل عنه إلى ما في النظم الجليل لأنه أوفق بمقام الايناس كذا قيل والظاهر عليه أن إسناده التبديل إلى من ظلم حقيقي وقيل : ان المعنى ثم رفع الظلم والسوء ومحاه من صحيفة أعماله ووضع مكانه الحسن بسبب توبته نظير ما في قوله تعالى : يبدل الله سيآتهم حسنات واسناد التبديل الى من ظلم على هذا مجازي لأنه سبب لتبديل الله تعالى له بتوبته وكأني بك تختار الأول ومحل من على كل من تقديري انقطاع الاستثناء واتصاله ظاهر والظاهر أنها موصولة في التقديرين ولا يخفى إنها إدا اعتبرت منصوبة المحل على الاستثناء أو مرفوعته على البدل تكون جملة فانى الخ مستأنفة ومن قدر في الكلام محذوفا وعطف عليه بدل وقال : التقدير من ظلم ثم بدل جعل الجملة خبر من وجوز بعضهم أن تكون شرطية وجملة فاني الخ جوابها فتأمل ولا تغفل وقرأ أبو جعفر وزيد بن أسلم ألا من ظلم بفتح الهمزة وتخفيف اللام على أن ألا حرف استفتاح وجعل ابو حيان من على هذه القراءة شرطية ولا أراه واجبا وقرأ محمد بن عيسى الأصبهاني حسنى على وزن فعلى ممنوع الصرف
وقرأ ابن القاسم حسنا بضم الحاء والسين منونا
وقرأ مجاهد وأبو حيوة وابن أبي علي والأعمش وأبو عمرو في رواية الجعفي وعصمة وعبد الوارث وهرون وعياش حسنابفتح الحاء والسين مع التنوين وأدخل يدك في جيبك أي جيب

الصفحة 166