كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

قميصك وهو مدخل الرأس منه المفتوح الى الصدر لا ما يوضع فيه الدراهم ونحوها كما هو معروف الآن لأنه مولد ولم يقل سبحانه في كمك لأنه عليه السلام كان لابسا إذ ذاك مدرعة من صوف لاكم لها وقيل : الجيب القميص نفسه لأن يجاب أي يقطع فهو فعل بمعنى مفعول وقال السدي : في جيبك أي تحت إبطك ولعل مراده أن المعنى أدخلها في جيبك وضعها تحت ابطك وكانت مدرعته عليه السلام على روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لا أزرار لها وقد ورد في بعض اةثار أن نبينا صلى الله عليه و سلم كان مطلق القميص في بعض الأوقات ففي سنن أبي داود باب في حل الأزرار ثم أخرج فيه من طريق معاوية بن قرة قال : حدثني أبي قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في رهط من مزينة فبايعناه وان قميصه لمطلق وفي رواية البغوي ثم في معجم الصحابة لمطلق الأزرار قال : فبايعته ثم أدخلت يدي في جيب قميصه فمسست الخاتم قال عروة فما رأيت معاوية ولا أباه قط إلا مطلقي أزرارهما ولا يزرانها أبدا وجاء أيضا أنه عليه الصلاة و السلام أمر بزر الأزرار
فقد أخرج الطبراني عن زيد بن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نظر إلى عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه فاذا أزراره محلولة فزرها رسول الله صلى الله عليه و سلم بيده وقال : أجمع عطفي ردائك على نحرك وفي هذين الأثرين ما هو ظاهر في أن جيب القميص كان إذ ذاك على الصدر كما هو اليوم عند العرب وهو يبطل القول بأنه خلاف السنة وأنه من شعائر اليهود وأمره تعالى إياه عليه السلام بادخال يده في جيبه مع أنه سبحانه قادر على أن يجعلها بيضاء من غير إدخال للامتحان وله سبحانه أن يمتحن عباده بما شاء والظاهر أن قوله تعالى : تخرج جواب الأمر لأن خروجها مترتب على إدخالها وقيل : في الكلام حذف تقديره وأدخل يدك في جيبك تدخل وأخرجها تخرج فحذف من الأول ما أثبت مقابله في الثاني ومن الثاني ما أثبت مقابله في الأول فيكون في الكلام صنعة الاحتباك وهو تكلف لاحاجة اليه وقوله تعالى بيضاء حال وكذا قوله تعالى : من غير سوء وهو احتراس وقد تقدم الكلام فيه وكذا قوله سبحانه في تسع ءايات أي آية معدودة من جملة تسع ءايات أو معجزة لك معها على أن التسع هي الفلق والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمسة وهي جعل أسبابهم حجارة والجدب في بواديهم والنقصان في مزارعهم ولمن عد العصا واليد من التسع أن يعد الجدب والنقصان في المزارع واحدا ولا يعد الفلق منها لأنه عليه السلام لم يبعث به إلى فرعون وان تقدمه بيسير ومن عده يقول يكفي معاينته له في البعث به أو هو بعث به لمن ءامن من قومه ولمن تخلف من القبط ولم يؤمن وفي التقريب أن الطمسة والجدب والنقصان يرجع الى شيء واحد فالتسع هذا الواحد والعصا واليد وما بقي من المذكورات
وذهب صاحب الفرائد الى أن الجراد والقمل واحد والجدب والنقصان واحد وجوز أن يكون في تسع منقطعات عما قبله متعلقا بمحذوف أي اذهب في تسع ءايات ويدل على ذلك قوله تعالى بعد : فلما جاءتهم ءاياتنا وفي بمعنى مع ونظير هذا الحذف ما في قوله : أتوا ناري فقلت منون أنتم فقالوا الجن قلت عموا ظلاما وقلت الى الطعام فقال منهم فريق يحسد الانس الطعاما فان التقدير هلموا إلى الطعام ويتعلق بهذا المحذوف قوله تعالى : إلى فرعون وقومه وعلى ما تقدم يتعلق

الصفحة 167