كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

بمحذوف وقع حالا أي مبعوثا أو مرسلا إلى فرعون وأيا ما كان فقوله تعالى : إنهم كانوا قوما فاسقين
21
- مستأنف استئنافا بيانيا كأنه قيل لم ارسلت اليهم بماذكر فقيل : إنهم الخ والمراد بالفسق إما الخروج عما الزمهم الشرع إياه إن قلنا بأنهم قد أرسل قبل موسى عليه السلام من يلزمهم اتباعه وهو يوسف عليه السلام وأما الخروج عما ألزمه العقل واقتضاء الفطرة ان قلنا بانه لم يرسل اليهم أحد قبله عليه السلام
فلما جاءتهم ءاياتنا أي ظهرت لهم على يد موسى عليه السلام فالمجيء مجاز عن الظهور وإسناده إلى الآيات حقيقي وقال بعض الأجلة : المجيء حقيقة واسناده إلى الآيات مجازي وهو حقيقة لموسى عليه السلام ولما بينهما من الملابسة لكونها معجزة له عليه السلام ساغ ذلك
ولعل النكتة في العدول عن فلما جاءهم موسى بآياتنا إلى ما في النظم الجليل الاشارة إلى أن تلك اةيات خارجة عن طوقه عليه السلام كسائر المعجزات وأنه لم يكن له عليه السلام تصرف في بعضها وكونه معجزة له لأخباره به ووقوعه بدعائه ونحوه ولا ينافي هذا الاسناد اليه لكونها جارية على يديه للاعجاز في قوله سبحانه فلما جاءهم موسى بآياتنا في محل ءاخر وقد بين بعضهم وجها لاختصاص كل منهما بمحله بأن ثمة ذكر مقاولته عليه السلام ومجادلتهم معه فناسب الاسناد اليه وهنا لما لم يكن كذلك ناسب الاسناد اليها لأن المقصود بيان جحودهم بها واضافة الآيات للعهد وفي اضافتها إلى ضمير العظمة ما لايخفى من تعظيم شأنها مبصرة حال من الآيات أي بينة واضحة وجعل الابصار لها وهو حقيقة لمتأمليها للملابسة بينها وبينهم لأنهم إنما يبصرون بسبب تأملهم فيها فاسناد مجازي من باب الاسناد إلى السبب ويجوز أن يراد مبصرة من كل نظر اليها من العقلاء أو من فرعون وقومه لقوله تعالى : واستيقنتها أنفسهم أي جاعلته بصيرا من أبصره المتعدي بهمزة النقل من بصر والاسناد أيضا مجازي
ويجوز أن تجعل الآيات كأنها تبصر فتهدي لأن العمي لاتقدر على الاهتداء فضلا أن تهدي غيرها فيكون في الكلام استعارة مكنية تخييلية مرشحة قال في الكشف : وهذا الوجه أبلغ وقيل : إن فاعلا أطلق للمفعول فالمجار إما في الطرف أو في الاسناد فتأمل
وقرأ قتادة وعلي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما مبصرة بفتح الميم والصاد على وزن مسبعة وأصل هذه الصيغة أن تصاغ في الأكثر لمكان كثر فيه مبدأ الاشتقاق فلا يقال : مسبعة مثلا إلا لمكان يكثر فيه السباع لا لما فيه سبع واحد ثم تجوز بها عما هو سبب لكثرة تبصر الناظرين فيها وقال أبو حيان : هو مصدر أقيم مقام الاسم وانتصب على الحال أيضا قالوا هذا أي الذي نراه أو نحوه سحر مبين
31
- أي واضح سحريته على أن مبين من أبان اللازم وجحدوا بها أي وكذبوا بها واستيقنتها أنفسهم أي علمت علما يقينيا أنها ءايات من عند الله تعالى والاستيقان أبلغ من الايقان
وفي البحر أن استفعل هنا بمعنى تفعل كاستكبر بمعنى تكبر والأبلغ أن تكون الواو للحال والجملة بعدها حالية إما بتقدير قد أو بدونها ظلما أي للآيات كقوله تعالى بما

الصفحة 168