كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

أي ظلم حيث حطوها عن رتبتها العالية وسموها سحرا وقيل : ظلما لأنفسهم وليس بذاك وعلوا أي ترفعا واستكبارا عن الايمان بها كقوله تعالى : والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها وانتصابها إما على العلية من جحدوا وهي على ما قيل باعتبار العاقبة والادعاء كما في قوله :
لدوا للموت وابنوا للخراب
وأما على الحال من فاعله أي جحدوا بها ظالمين عالين ورجح الأول بأنه أبلغ وأنسب بقوله تعالى : فانظر كيف كان عاقبة المفسدين
41
- أي ما ءال اليه فرعون وقومه من الاغراق على الوجه الهائل الذي هو عبرة للظالمين وإنما يذكر تنبيها على أنه عرضة لكل ناظر مشهور لدى كل باد وحاضر وادخل بعضهم في العاقبة حالهم في الآخرة من الاحراق والعذاب الأليم وفي إقامة الظاهر مقام الضمير ذم لهم وتحذير لأمثالهم
وقرأ عبد الله وابن وثاب والأعمش وطلحة وابا بن تغلب وعليا بقلب الواو ياء وكسر العين واللام وأصله فعول لكنهم كسروا العين اتباعا وروي ضمها عن ابن وثاب والاعمش وطلحة
ولقد ءاتينا داوود وسليمن علما كلام مستأنف مسوق لقرير ما سبق من أنه عليه السلام تلقى القرآن من لدن حكيم عليم كقصة موسى عليه السلام وتصديره بالقسم لأظهار كمال الاعتناء بمضمونه أي آتينا كل واحد منهما طائفة من العلم لائقة به من علم الشرائع والاحكام وغير ذلك مما يختص بكل منهما كصنعة لبوس ومنطق الطير وخصها مقاتل بعلم القضاء وابن عطاء بالعلم بالله عز و جل ولعل الأولى ما ذكر أو علما سنيا غزيرا فالتنوين على الاول للتقليل وهو أوفق بكون القائل هو الله عز و جل فان كل علم عنده سبحانه قليل وعلى الثاني للتعظيم والتكثير وهو أوفق باتنانه جل جلاله فانه سبحانه الملك العظيم فاللائق بشأنه الامتنان بالعظيم الكثير فلكل وجهة وربما يرجح الثاني ومما ينبغي أن لا يلتفت اليه كون التنوين للنوعية أي نوعا من العلم والمراد به علم الكيمياء وقالا أي قال كل منهما شكرا لما أوتيه من العلم الحمد لله الذي فضلنا بما آتانا من العلم على كثير من عباده المؤمنين
51
- على أن عبارة كل منهما فضلني إلا أنه عبر عنهما عند الحكاية بصيغة المتكلم مع الغير إيجازا وحكاية الأقوال المتعددة سواء كانت صادرة عن المتكلم أو عن غيره بعبارة جامعة للكل مما ليس بعزيز ومن ذلك قوله تعالى : يا أيها الرسل كلوا من الطيبات قيل وبهذا ظهر حسن موقع العطف بالواو دون الفاء إد المتبادر من العطف بالفاء ترتب جمل كل منهما على إيتاء ما أوتي كل منهما لا على إيتاء ما أوتي نفسه فقط
وتعقب بأنه إدا سلم ما ذكر فالعطف بالواو أيضا يتبادر معه كون حمد كل منهما على إيتاء ما أوتي كل منهما فما يمنع من ذلك مع الواو يمنع نحوه مع الفاء وقال العلامة الزمخشري عطف بالواو دون الفاء مع أن الظاهر العكس كما في قولك : أعطيته فشكر إشعارا بأن ما قالاه بعض ما احدث فيهما إيتاء العلم وشيء من مواجبه فاضمر ذلك ثم عطف عليه التحميد كأنه قال سبحانه : ولقد آتيناهما علما فعملا فيه وعلماه وعرفا حق النعمة فيه والفضيلة وقالا : الحمد لله الذي فضلنا وحاصله أن إيتاء العلم من جلائل النعم وفواضل المنح

الصفحة 169