كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)
منه الحصول والمجيء يقال له اعتبار بالحصول ولعل في التعبير بالاتيان أولا والمجيء ثانيا على هذا إشارة إلى أن ما يأتون به من الأمثال في نفسه من الأمور التي تتخيل بسهولة ولا تحتاج إلى أعمال فكر بخلاف ما يكون في مقابلته فانه في نفسه من الأمور العقلية التي صقلها الفكر فلا يجد أحد سبيلا إلى ردها والطعن فيها أو إلى أن فعلهم لخروجه عن حيز القبول منزل منزلة العدم حتى كأنهم لم يتحقق منهم القصد دون الحصول بخلاف ما كان من قبله عز و جل والله تعالى أعلم باسرار كتابه
الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أي يحشرون ماشين على وجوههم فقد روى الترمذي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف صنفا مشاة وصنفا ركبانا وصنفا على وجوههم قيل يا رسول الله وكيف يمشون على وجوههم قال إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم اما أنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك وهذا يحتمل أن يكون بمس وحوههم وسائر ما في جهتها من صدورهم وبطونهم ونحوها الأرض وأن يكون بنكسهم على رؤسهم وجعل وجوههم الى ما يلي الأرض والارتفاع اقدامهم وسائر ابدانهم ولعل الحديث أظهر في الأول وقيل : إن الملائكة عليهم السلام تسحبهم وتجرهم على وجوههم إلى جهنم والأمر عليه ظاهر لاغرابة فيه وقيل : الحشر على الوجه مجاز عن الذلة المفرطة والخزي والهوان وقيل : هو من قول العرب مر فلان على وجهه إذا لم يدر أين ذهب وقيل : الكلام كناية أو استعارة تمثيلية والمراد أنهم يحشرون متعلقة قلوبهم بالسفليات من الدنيا وزخارفها متوجهة وجوههم اليها ولعل كون هذه الحال في الحشر باعتبار بقاء آثارها والافهم هناك في شغل شاغل عن التوجه إلى الدنيا وزخارفها وتعلق قلوبهم بها ومحل الموصول قبل إما النصب بتقدير أذم أو أعني أو الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين أو على أنه مبتدأ وقوله تعالى : أولئك بدل منه أو بيان له وقوله تعالى : شر مكانا وأضل سبيلا
43
- خبر له أو اسم الاشارة مبتدأ ثان وشر خبره والجملة خبر الموصول وقال صاحب الفرائد : يمكن أن يكون الموصول بدلا من الضمير في يأتونك و أولئك شر مكانا كلام مستأنف ولعل الاقرب كون الموصول مبتدأ وما بعده خبره قال الطيبي وذلك من باب كلام المنصف وارخاء العنان وفصل الذين يحشرون عما قبله استئنافا لأن التسلية السابقة حركت منه صلى الله عليه و سلم بان يسأل فاذا بماذا أجيبهم وما يكون قولي لهم فقيل قل لهم الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم الخ يعني مقصودكم من هذا التعنت مكاني وتضليل سبيلي وما أقول لكم أنتم كذلك بل أقول الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم شر مكانا وأضل سبيلا فانظروا بعين الانصاف وتفكروا من الذي هو أولى فانظروا بعين الانصاف وتفكروا من الذي هو أولى بهذا الوصف منا ومنكم لتعلموا أن مكانكم شر من مكاننا وسبيلكم أضل من سبيلنا وعليه قوله تعالى إنا أو اياكم لعلى هدى أوفى ضلال مبين فالمكان ألشرف والمنزلة ويجوز أن يراد به الدار والمسكن وشر وأضل محمولان على التفضيل على طريقة قوله تعالى قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل صاحب الفرائد ذلك لاثبات كل الشر لمكانهم وكل الضلال لسبيلهم ووصف السبيل بالضلال من باب الاسناد المجازي للمبالغة والآية على ما سمعت متصلة بما قبلها من قوله تعالى ولايأتونك الخ وقال الكرماني هي متصلة بقوله تعالى أصحاب الجنة يومئذ الآية قيل ويجوز أن تكون
الصفحة 17
220