كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

يستدعييستدعي إحداث الشكر أكثر مما ذكر فجيء بالواو لأنها تستدعي إضمارا فيضمر ما يقتضيه موجب الشكر من قوله : فعملا به وعلماه فانه شكر فعلى وقوله : وعرفا حق النعمة فيه والفضيلة فانه شكر قلبي وبقوله تعالى : وقالا الخ تتم أنواع الشكر لأنه شكر لساني وفي الطي إيماء بأن المطوي جاوز حد الاحصاء ويعلم مما ذكر أن هذا الوجه لاختبار العطف بالواو أولى مما ذهب اليه السكاكي من تفويض الترتب إلى العقل لأن المقام يستدعي الشكر البالغ وهو ما يستوعب الانواع وعلى ماذهب اليه يكون بنوع القولي منها وحده وهو أولى مما قيل أيضا : إنه لم يعطف بالفاء لأن الحمد على نعم عظيمة من جملتها العلم ولو عطف بالفاء لكان الحمد عليه فقط لأن السياق ظاهر في أن الحمد عليه لا على ما يدخل هو في جملته وهل هناك على ما ذكره العلامة تقدير حقيقة أم لا قولان وممن ذهب إلى الأول من يسمي هذه الواو الفصيحة والظاهر أن المراد من الكثير المفضل عليه من لم يؤت مثل علمها عليهما السلام وقيل : ذاك ومن لم يؤت علما أصلا
وتعقب بأنه يأباه تبيين الكثير بعباده تعالى المؤمنين فان خلوهم عن العلم بالمرة مما لايمكن وفي تخصيصهما الكثير بالذكر إشارة إلى أن البعض مفضلون عليهما كذا قيل والمتبادر من البعض القليل وفي الكشاف أن في قوله تعالى على كثير أنهما فضلا على كثير وفضل عليهما كثير وتعقب بأن فيه نظرا إذ يدل بالمفهوم على أنهما لم يفضلا على القليل فأمل أن يفضل القليل عليهما أو يساوياه فلا بل يحتمل الأمرين
ورده صاحب الكشف بأن الكثير لايقابله القليل في مثل هذا المقام بل يدل على أن حكم الأكثر بخلافه ولما بعد تساوي الأكثر من حيث العادة ولاسيما والأصل التفاوت حكم صاحب الكشاف بأنه يدل على أنه فضل عليهما أيضا كثير على أن العرف طرح التساوي في مثله عن الاعتبار وجعل التقابل بين المفضل والمفضل عليه ألا ترى أنهم إذا قالوا : لا أفضل من زيد فهم أنه أفضل من الكل انتهى
وفي الآية أوضح دليل على فضل العلم وشرف أهله حيث شكرا على العلم وجعلاه أساس الفضل ولم يعتبرا دونه مما أوتياه من الملك العظيم وتحريض العلماء على أن يحمدوا الله تعالى على ما آتاهم من فضله وأن يتواضعوا ويعتقدوا أن في عباد الله تعالى من يفضلهم في العلم ونعم ما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه حين نهى على المنبر عن التغالي في المهور فاعترضت عليه عجوز بقوله تعالى : وآتيتم إحداهن قنطارا الآية : كل الناس أفقه من عمر وفيه من جبر قلب العجوز وفتح باب الاجتهاد ما فيه وجعل الشيعة له من المثالب من أعظم المثالب وأعجب العجائب ولعل في الآية إشارة إلى جواز أن يقول العالم : أنا عالم وقد قال ذلك جملة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم منهم أمير المؤمنين علي كرم الله تعالى وجهه وعبد الله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وما شاع من حديث من قال أنا عالم فهو جاهل إنما يعرف من كلام يحيى ابن أبي كثير موقوفا عليه على ضعف في اسناده ويحيى هذا من صغار التابعين فانه رأى أنس بن مالك وحده وقدوهم بعض الرواة فرفعه إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وتحقيقه في أعذب المناهل للجلال السيوطي
وورث سليمان داوود أي قام مقامه في النبوة والملك وصار نبيا ملكا بعد موت أبيه داود عليهما السلام فوراثته إياه مجاز عن قيامه مقامه فيما ذكر بعد موته وقيل : المراد وراثة النبوة فقط وقيل : وراثة الملك فقط وعن الحسن ونسبه الطبرسي إلى أئمة أهل البيت أنها وراثة المال وتعقب بأنه قد صح نحن

الصفحة 170