كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

بال وصاح خطاف فقال : يقول قدموا خيرا تجدوه وصاحت رخمة فقال : يقول سبحان ربي الأعلى ملء سمائه وأرضه وصاح قمري فاخبر أنه يقول : سبحان ربي الأعلى وقال الحدأة : يقول كل شيء هالك إلا الله تعالى والقطاة تقول : من سكت سلم والببغاء يقول : ويل لمن الدنيا همه والديك يقول : اذكروا الله تعالى يا غافلون والنسر يقول : يا أبن آدم عش ما شئت آخرك الموت والعقاب يقول : في البعد من الناس أنس والضفدع يقول : سبحان ربي القدوس والقنبرة تقول : اللهم العن مبغض محمد وال محمد والزرزور يقول : الله إني أسألك قوت يوم بيوم يارزاق والدراج يقول : الرحمن على العرش استوى انتهى ونظم الضفدع في سلك المذ : ورات من الطير ليس في محله ومع هذا الله تعالى اعلم بصحة هذه الحكاية وقيل : كانت الطير تكلمه عليه السلام معجزة له نحو ما وقع من الهدهد في القصة الآتية وقيل : علم عليه السلام ماتقصده الطير في أصواتها في سائر أحوالها فيفهم تسبيحها ووعظها وما تخاطبه به عليه السلام وما يخاطب به بعضها بعضا وبالجملة علم من منطقها ما علم الانسان من منطق بني صنفه ولايستبعد أن يكون للطير نفوس ناطقة ولغات مخصوصة تؤدي بها مقاصدها كما في نوع الانسان إلا أن النفوس الانسانية أقوى وأكمل ولايبعد أن تكون متفاوتة تفاوت النفوس الانسانية الذي قال به من قال
ويجوز أن يعلم الله تعالى منطقها من شاء من عباده ولا يختص ذلك بالأنبياء عليهم السلام ويجري ما ذكرناه في سائر الحيوانات وذهب بعض الناس إلى أن سليمان عليه السلام علم منطقها أيضا إلا أنه نص على الطير لأنها كانت جندا من جنوده يحتاج اليها في التظليل من الشمس وفي البعث في الأمور ولايخفى أن الآية لاتدل على ذلك فيحتاج القول به إلى نقل صحيح وزعم بعضهم أنه عليه السلام علم أيضا منطق النبات فكان يمر على الشجرة فتذكر له منافعها ومضارها ولم أجد في ذلك خبرا صحيحا وكثير من الحكماء من يعرف خواص النبات بلونه وهيئته وطعمه وغير ذلك ولايحتاج في معرفتها إلى نطقه بلسان القال والضمير في علمنا وأوتينا قيل : له ولأبيه عليهما السلام وهو خلاف الظاهر والاولى كونه عليه السلام ولما كان ملكا مطاعا خاطب رعيته على عادة الملوك لمراعاة قواعد السياسة من التمهيد لما يراد من الرعية من الطاعة والانقياد في الأوامر والنواهي ولم يكن ذلك تعاظما وتكبرا منه عليه السلام ومراعاة قواعد السياسة للتوصل بها إلى ما فيه رضا الله عز و جل من الأمور المهمة
وقد أمر نبينا صلى الله عليه و سلم العباس بحبس أبي سفيان حتى تمر عليه الكتائب يوم الفتح لذلك و كل في الأصل للاحاطة وترد للتكثير كثيرا نحو قولك : فلان يقصده كل أحد ويعلم كل شيء وهي كناية في ذلك أو مجاز مشهور وهذا المعنى هو المراد هنا إذا جعلت من صلة وهو المناسب لمقام التحدث بالنعم وإن لم تجعل صلة فهي على أصلها فيما قيل وأنت تعلم أنه لايتسنى ذلك إلا إذا أريد الكل المجموعي وهو كما ترى
وفي البحر أن قوله تعالى علمنا منطق الطير اشارة إلى النبوة وقوله سبحانه : وأوتينا من كل شيء اشارة الى الملك والجملتان كالشرح للميراث وعن مقاتل أنه أريد بما أوتيته النبوة والملك وتسخير الجن والانس والشياطين والريح وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما هو ما يهمه عليه السلام من أمر الدنيا وأةخرة وقد يقال : إنه يحتاجه الملك من ءآلات الحرب وغيرها إن هذا إشارة الى ما ذكر من

الصفحة 172