كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

التعليم والايتاء لهو الفضل والاحسان من الله تعالى المبين
61
- الواضح الذي لايخفى على أحد أو أن هذا الفضل الذي أوتيته لهو الفضل المبين فيكون من كلامه عليه السلام قطعا ذيل به ما تقدم منه ليدل على أنه إنما قال ما قال على سبيل الشكر كما قال صلى الله عليه و سلم : أنا سيد ولد آدم ولافخر بالراء المهملة آخره كما في الرواية المشهورة أي أقول هذا القول شكرا لافخرا ويقرب من هذا المعنى ولا فخز بالزاي كما في الرواية الغير المشهورة
وحشر لسليمان جنوده أي جمع له عساكره من الأماكن المختلفة من الجن والانس والطير بيان للجنود كما في البحر وغيره ولا يلزم من ذلك أن يكون الجنود المحشورون له عليه السلام جميع الجن وجميع الأنس وجميع الطير إذ يأبى ذلك مع قطع النظر عن العقل قصة بلقيس اةتية بعد وكذا قصة الهدهد
ونقل عن بعضهم أنه عليه السلام كان يأتيه من كل صنف من الطير واحد وهو نص في أن المحشور ليس جميع الطير ولايكاد يصح ارادة الجميع في الجميع على ما ذكره الامام في الآية أيضا وهو أن المعنى أنه جعل الله تعالى كل هذه الأصناف جنوده لأنه وان لم يستدع الحضور والاجتماع في موضع واحد بل يكفي فيه مجرد الانقياد والدخول في حيطة تصرفه والاتباع له حيث كانوا لاباء قصة بلقيس أيضا عنه فان المناسب الاخبار بهذا الجعل بعد الاخبار بدخولها ومن معها في حيطة تصرفه
والظأهر أن هذا الحشر ليس الا جمع العساكر ليذهب بهم الى محاربة من لم يدخل في ربقة طاعته عليه السلام وكونه ليذهب بهم إلى مكة شكرا على ما وفق له من بناء بيت المقدس خلاف الظاهر لكن إذا صح فيه خبر قبل وأن المجموع من الأنواع المذكورة ما يليق بشأنه وأبهته وعظمته سواء جعلت من بيانية أو تبعيضية وكونه عليه السلام أحد المؤمنين الذي ملكا المعمورة بأسرها إذا سلمنا صحة الخبر الدال عليه وسلامته من المعارض وانه نص في المطلوب لايستدعي سوى دخول سكان المعمورة في عداد رعيته وحيطة ملكته وليس ذلك دفعيا بل هو إن صح كان بحسب التدريج وقد ذكر بعض المؤرخين أن بلقيس انما دخلت تحت طاعته في السنة الخامسة والعشرين من ملكه وكانت مدة ملكه عليه السلام أربعين سنة وكذا كانت مدة ملك أبيه داود عليهما السلام
والظاهر ان الحاشر لكل نوع من الانواع الثلاثة أشخاص منهم فيكون من كل نوع أشخاص مأمورون بذلك معدون له ولا تستبعد ذلك في الطير إذا كنت من المؤمنين بقصة الهدهد ولا يلزمك التزام ما قاله الامام من أن الله تعالى جعل للطير عقلا في أيام سليمان عليه السلام ولم يجعل لها ذلك في أيامنا فما عليه بأس إذا قلت بانها على حالة واحدة اليوم وذلك اليوم ولا نعني بعقلها الا ما تهتدي به لأغراضها ووجود ذلك اليوم فيها وكذا في غيرها من سائر الحيوانات مما لاينكره الا مكابر وما علينا ان نقول : ان عقولها من حيث هي كعقول الانسان من حيث هي ولعل فيها من يهتدي الى مالا يهتدي اليه الكثير من بني آدم كالنحل ولعمري انها لو كانت خالية من العقل كما يقال وفرض وجود العقل فيها لااظن أنها تصنع بعد وجوده أحسن مما تصنعه اليوم وهي خالية منه ولا يجب أن يكون كل عاقل مكلفا فلتكن الطيور كسائر العقلاء الذين لم يبعث اليهم نبي يأمرهم وينهاهم ويجوز أيضا أن تكون عارفة بربها مؤمنة به جل وعلا من غير أن يبعث اليها نبي ينشأ بشاهق جبل وحده ويكون مؤمنا بربه سبحانه بل كونها مؤمنة

الصفحة 173