كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

بالله تعالى مسبحة له وكذا سائر الحيوانات مما تشهد له ظواهر الآيات والاخبار وقد قدمنا بعضا من ذلك وليس عندنا ما يجب له التأويل وبالغ بعضهم فزعم أنها مكلفة وفيها وكذا غيرها من الحيوانات أنبياء لهم شرائع خاصة واستدل عليه بما استدل والمشهور أكفار منن زعم ذلك وقد نص على اكفاره جميع الفقهاء وتخصيص الانواع الثلاثة بالذكر ظاهر في أنه عليه السلام لم يسخر له الوحش وفي خبر أخرجه الحاكم عن محمد بن كعب ما هو ظاهر في تسخيره له عليه السلام أيضا وسنذكره قريبا انشاء الله تعالى لكنه لايعول عليه وتقديم الجن للمسارعة الى الايذان بكمال قوة ملكه عليه السلام وعزة سلطانه من اول الامر لما أن الجن طائفة عاتية وقبيلة طاغية ماردة بعيدة من الحشر والتسخير ولم يقدم الطير على الانس مع أن تسخيرها أشق أيضا وأدل على قوة الملك وعزة السلطان لئلا يفصل بين الجن والانس المتقابلين والمشتركين في كثير من الاحكام
وقيل في تقديم الجن : إن مقام التسخير لايخلو من تحقير وهو مناسب لهم وليس بشيء لأن التسخير للانبياء عليهم السلام شرف لانه في الحقيقة لله عز و جل الذي سخر كل شيء واذا اعتبر في نفسه فالتعليل بذلك غير مناسب للمقام ويكفي هذا في عدم قبوله فهم يوزعون
71
- أي يحبس أولهم ليلحق آخرهم فيكونوا مجتمعين لايتخلف منهم أحد وذلك للكثرة العظيمة ويجوز أن يكون ذلك لترتيب الصفوف كما هو المعتاد في العساكر والاول أولى وفيه مع الدلالة على الكثرة والاشعار بكمال مسارعتهم الى السير الدلالة على أنهم كانوا مسوسين غير مهملين لايتأذى أحد بهم وأصل الوزع الكف والمنع ومنه قول عثمان رضي الله تعالى عنه : ما يزع السلطان أكثر مما يزع القرآن وقول الحسن لا بد للقاضي من وزعه وقول الشاعر : ومن لم يزعه لبه وحياؤه فليس له من شيب فوديه وازع وتخصيص حبس أوائلهم بالذكر دون سوق أواخرهم مع أن التلاحق يحصل بذلك أيضا لأن في ذلك شفقة على الطائفتين أما الأوائل فمن جهة ان يستريحوا في الجملة بالوقوف عن السير وأما الأواخر فمن جهة ان لايجهدوا أنفسهم بسرعة السير وقيل : ان ذلك لما أن أواخرهم غير قادرين على مايقدر عليه اوائلهم من السير السريع وأخر الطبراني والطستي في مسائله عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن يحبس أولهم على آخرهم حتى تنام الطير والله تعالى أعلم بصحة الخبر والظأهر أن هذا الوزع إذا لم يكن سيرهم بتسيير الريح في الجو والاخبار في قصته عليه السلام كثيرة
فقد أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال كان يوضع لسليمان ثلاثمائة ألف كرسي فيجلس مؤمني الانس مما يليه ومؤمني الجن من روائهم ثم يأمر الطير فتظله ثم يأمر الريح فتحمله فيمرون على السنبلة فلا يحركونها واخرج الحاكم عن محمد بن كعب قال بلغنا ان سليمان عليه السلام كان معسكره مائة فرسخ خمسة وعشرون للانس وخمسة وعشرون للجن وخمسة وعشرون للوحش وخمسة وعشرون للطير وكان له ألف بيت من قوارير الخشب فيها ثلاثمائة منكوحة وسبعمائة سرية فيأمر الريح العاصف فترفعه ثم يأمر الرخاء فتسير به وأوحى الله عر وجل اليه وهو يسير بين السماء والارض اني قد زدتك في ملكك انه لايتكلم أحد من الخلائق بشيء إلا جاءت به الريح اليك والقته في سمعك ويورى أن الجن نسجت له

الصفحة 174