كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

عليه السلام بساطا من ذهب وابريسم فرسخا في فرسخ ومنبره في وسطه من ذهب فيصعد عليه وحوله ستمائة ألف كرسي من ذهب وفضة فتقعد الانبياء عليهم السلام على كراسي الذهب والعلماء على كراسي الفضة وحولهم الناس وحول الناس الجن والشياطين وتظله الطير بأجنحتها وترفع ريح الصبا البساط فتسير به مسيرة شهر
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن المنذر عن وهب بن منبه قال : مر سليمان عليه السلام وهو في ملكه وقد حملته الريح فوضعتها في اذنه فقال : ائتوني بالرجل قال : ماذا قلت فأخبره فقال سليمان : إني خشيت عليك الفتنةلثواب سبحان الله عند الله يوم القيامة أعظم مما رأيت ءآل داود أوتوا فقال الحراث أذهب الله تعالى همك كما أذهبت همي وفي بعض الروايات أنه عليه السلام نزل ومشى الى الحراث وقال : إنما مشيت اليك لئلا تتمنى ما تقدر عليه ثم قال : لتسبيحة واحدة يقبلها الله تعالى خير مما أوتي آل داود وأكثر الاخبار في هذا الشأن لايعول عليها فعليك بالايمان بما نطق به القرآن ودلت عليه الاخبار الصحيحة وإياك من الانتصار لما لاصحة له مما يذكره كثير من القصاص والمؤرخين مما فيه مبالغات شنيعة بمجرد أنها أمور ممكنة يصح تعلق قدرته عز و جل بها فتفتح بذلك باب السخرية بالدين والعياذ بالله تعالى ولايبعد أن يكون أكثر ما تضمن مثل ذلك من وضع الزنادقة يريدون به التنفير عن دين الاسلام حتى إذا أتوا على وادي النمل حتى هي التي يبتدأ بها الكلام ومع ذلك هي غاية لما قبلها وهي ههنا غاية لما ينبيء عنه قوله تعالى : فهم يوزعون من السير كأنه قيل : فساروا حتى أتوا الخ ووادي النمل واد بأرض الشام كثير النمل على ما روي عن قتادة ومقاتل وقال كعب : هو وادي السدير من أرض الطائف وقيل : وادي بأقصى اليمن وهو معروف عند العرب مذكور في أشعارها وقيل : هو وادي تسكنه الجن والنمل مراكبهم وهذا عندي مما لايلتفت اليه
وتعدية الفعل اليه بكلمة على مع أنه يتعدى بنفسه أو بالى إما لأن اتيانهم كان من جانب عال فعدى بها للدلالة على ذلك كما قال المتنبي : ولشد ما جاوزت قدرك صاعدا ولشد ما قربت عليك الأنجم لما قرب الانجم وإن أراد بها أبيات شعره من فوق وإما لأن المراد بالاتيان عليه قطعة وبلوغ آخره من قولهم أتي على الشيء إذا انفده وبلغ آخره ثم الاتيان عليه بمعنى قطعه مجاز عن إرادة ذلك وإلا لم يكن للتحذير من الحطم الآتي وجه إذ لامعنى له بعد قطع الوادي الذي فيه النمل ومجاوزته والظاهر على الوجهين أنهم أتوا عليه مشاة ويحتمل أنهم كانوا يسيرون في الهواء فأرادوا أن ينرلوا هناك فاحست النملة بنزولهم فانذرت النمل قالت نملة جواب إذا والظاهر أنها صوتت بما فهم سليمان عليه السلام منه معنى يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لايحطمنكم سليمن وجنوده وهم لايشعرون
81
- وهذا كما يفهم عليه السلام من أصوات الطير ما يفهم ولا يقدح في ذلك أنه عليه السلام لم يعلم إلا منطق الطير اما لأنها كانت من الطير ذات جناحين كما أخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي وهو وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة وكم رأينا نملة لها جناحان تطير بهما وكون ذلك لايقتضي عدها من الطير محل نظر وإما لأن فهم ما ذكر وقع له عليه السلام هذ المرة فقط ولم يطرد كفهم أصوات الطير وليس في الآية

الصفحة 175