كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

وعن قتادة أنه دخل في الكوفة فالتف عليه الناس فقال : سلوا عما شئتم وكان أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه حاضرا وهو غلام حدث فقال : سلوه عن نملة سليمان أكانت ذكرا أم أنثى فسألوه فافحم فقال أبو حنيفة : كانت أنثى فقيل له : من أين عرفت فقال من كتاب الله تعالى وهو قوله تعالى : قالت نملة ولو كان ذكر لقال سبحانه قال نملة وذلك أن النملة مثل الحمامة والشاة في وقوعها على الذكر والأنثى فيميز بينهما بعلامة نحو قولهم : حمامة ذكر وحمامة أنثى وهو وهي كذا في الكشاف وتعقبه أبن المنير فقال : لاأدري العجب منه أم من أبي حنيفة إن ثبت ذلك عنه وذلك أن النملة كالحمامة والشاة تقع على الذكر وعلى الانثى لأنه اسم جنس فيقال : نملة ذكر ونملة أنثى كما يقولون حمامة ذكر وحمامة أنثى وشاة ذكر وشاة انثى فلفظها مؤمنث ومعناها محتمل فيمكن أن تؤنث لأجل لفظها وإن كانت واقعة على ذكر بل هذا هو الفصيح المستعمل ألا ترى قوله صلى الله عليه و سلم : لايضحى بعوراء ولا عمياء ولا عجفاءكيف أخرج عليه الصلاة و السلام هذه الصفات على اللفظ مؤنثة ولايعني صلى الله عليه و سلم الاناث من الأنعام خاصة فحينئذ قوله تعالى : قالت نملة روعي فيه تأنيث اللفظ وأما المعنى فيحتمل التذكير والتأنيث على حد سواء وكيف يسأل أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه بهذا ويفحم به قتادة مع غزارة علمه والأشبه ان ذلك لايصح عنهما اه
وقال ابن الحاجب عليه الرحمة : التأنيث اللفظي هو أن لايكون بأزائه ذكر في الحيوان كظلمة وعين ولا فرق بين أن يكون حيوانا أو غيره كدجاجة وحمامة إذا قصد به مذكر فانه مؤنث لفظي ولذلك كان قول من زعم أن النملة في قوله تعالى : قالت نملة أنثى لورود تاء التأنيث في قالت وهما لجواز أن يكون مذكرا في الحقيقة وورود تاء التأنيث كورودها في الفعل المؤنث اللفظي نحو جاءت الظلمة وأجاب بعض فضلاء ما وراء النهر وقال لعمري : أنه قد تعسف ههنا ابن الحاجب وترك الواجب حيث اعترض على امام أهل الاسلام واعتراضه يقوله : وورود تاء التأنيث كورودها الخ ليس بشيء إذ لو كان جائزا أن يؤتى بتاء التأنيث في الفعل لمجرد صورة التأنيث في الفاعل المذكر الحقيقي لكان ينبغي جوازا أن يقال : جاءتني طلحة مع أنه لايجوز وجوابه عن ذلك في شرحه بقوله : وليس ذلك كتأنيث أسماء الأعلام فانها لايعتبر فيها المدلول الثاني ولو اعتبروا تأنيثها لكان اعتبار للمدلول الأول فيفسد المعنى فلذلك لايقال : أعجبتني طلحة تناقض محض كأنه نسي ما أمضى في صدر كتابه من قوله فانه سمى به مذكر فشرطه الزيادة يعني فان سمي بالمؤمنث المعنوي فشرطه الزيادة على ثلاثة أحرف فلا يخفى على من له أدنى مسكة أن عقرب مع أن علامة التأنيث فيه مقدرة العلمية لاتمنعها عن اعتبار تأنثيها حتى تمنع من الصرف فكيف تمنع العلمية عن اعتبار التأنيث في طلحة مع أن علامة التأنيث فيه لفظية فاذن ليس طرح التاء عن الفعل إلا لأن التاء إنما يجاء بها علامة لتأنيث الفاعل والفاعل ههنا مذكر حقيقي فكذا النملة لو كان مذكرا لكان هو مع طلحة حذو القذة بالقذة
وينصر قول أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه ما نقل عن ابن السكيت هذا بطة ذكر وهذا حمامة ذكر وهذا شاة إذا عنيت كبشا وهذا بقرة إذا عنيت ثورا فان عنيت به أنثى قلت : هذ بقرة اه وارتضاه الطيبي ثم قال فظهر أن القول ما قالت حذام والمذهب ماسلكه الامام وفي الكشف

الصفحة 177