كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

عليه السلام لما سمع قول النملة : يا أيها النمل الخ قال ائتوني بها فأتو بها فقال : لم حذرت النمل ظلمي أما علمت إني نبي عدل فلم قلت لايحطمنكم سليمان وجنوده فقالت : أما سمعت قولي وهم لايشعرون ومع ذلك أني لم ارد حطم النفوس وانما أردت حطم القلوب خشيت أن يروا ما أنعم الله تعالى به عليك من الجاه والملك العظيم فيقعوا في كفران النعم فلا أقل من أن يشتغلوا بالنظر اليك عن التسبيح فقال لها سليمان عظيني فقالت أعلمت لم سمي أبوك داود قال : لا قالت : لأنه داوى جراح قلبه وهل تدري لم سميت سليمان قال : لا قالت : لأنك سليم القلب والصدر ثم قالت : أتدري لم سخر الله تعالى لك الريح قال لا قالت أخبرك الله تعالى بذلك أن الدنيا كلها ريح فمن اعتمد عليها فكأنما اعتمد على الريح وهذأ ظاهر الوضع كما لايخفى وفيه ما يشبه كلام الصوفية والله تعالى أعلم بصحة ما روي من أنها أهدت اليه نبقة وانه عليه السلام دعا للنمل بالبركة
وجوز أن تكون جملة هم لايشعرون في موضع الحال من النملة والضمير للجنود كالضمائر السابقة في قوله تعالى : فهم يوزعون وقوله سبحانه : حتى إذا أتوا وهي من كلامه تعالى أي قالت ذلك في حال كون الجنود لايشعرون به وليس بشيء وقد يقرب منه ما قيل أنه يجوز أن تكون الجملة معطوفة على مقدر وهي من كلامه عز و جل كأنه قيل : فهم سليمان ما قالت والجنود لايشعرون بذلك وقرأ الحسن وطلحة ومعتمر بن سليمان التيمي نملة ونمل بضم النون والميم وقرأ شهر بن حوشب مسكنكم على الافراد وعن أبي ادخلن مساكنكن لايحطمنكن مخففة النون التي قبل الكاف
وقرأ الحسن وأبو رجاء وقتادة وعيسى بن عمر الهمداني الكوفي ونوح القاضي بضم الياء وفتح الحاء وشد الطاء والنون مضارع حطم مشددا وعن الحسن بفتح الياء واسكان الحاء وشد الطاء وعنه كذلك مع كسر الحاء واصله يحتطمنكم من الاحتطام وقرأ ابن أبي اسحق وطلحة ويعقوب وأبو عمرو في رواية عبيد كقراءة الجمهور إلا أنهم سكنوا نون التوكيد وقرأ الأعمش بحذف النون وجزم الميم ولا خلاف على هذه القراءة في جواز أن يكون الفعل مجزوما في جواب الأمر فتبسم ضاحكا من قولها تفريع على ما تقدم فلا حاجة الى تقدير معطوف عليه أي فسمعها فتبسم وجعل الفاء فصيحة كما قبل ولعله عليه السلام أنما تبسم من ذلك سرورا بما ألهمت من حسن حاله وحال جنوده في باب التقوى والشفقة وابتهاجا بما خصه الله تعالى به من ادراك ما هو همس بالنسبة الى البشر وفهم مرادها منه
وجوز أن يكون ذلك تعجبا من حذرها وتحذيرها واهتدائها الى تدبير مصالحها ومصالح بني نوعها : والاول أظهر مناسبة لما بعد من الدعاء وانتصب ضاحكا على الحال أي شارعا في الضحك اعني قد تجاوز حد التبسم الى الضحك أو مقدر الضحك بناء على أنه حال مقدرة كما نقله الطيبي عن بعضهم وقال أبو البقاء هو حال مؤكدة وهو يقتضي كون التبسم والضحك بمعنى والمعروف الفرق بينهما قال ابن حجر التبسم مباديء الضحك من غير صوت والضحك انبساط الوجه حتى تظهر الاسنان من السرور مع صوت خفي فان كان فيه صوت يسمع

الصفحة 179