كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)
متصلة بقوله سبحانه وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين انتهى وما ذكر أولا أبعد مغزى وقوله تعالى ولقد ءاتينا موسى الكتاب الخ جملة مستأنفة سيقت لتأكيد ما مر من التسلية والوعد بالهداية والنصر في قوله تعالى وكفى بربك هاديا ونصيرا على ما قدمناه بحكاية ما جرى بين من ذكر من الأنبياء عليهم السلام وبين قومهم حكاية أجمالية كافية فيما هو المقصود واللام واقعة في جواب القسم أي وبالله تعالى لقد آتينا موسى التوراة أي أنزلناها عليه بالآخرة وقيل : المراد بالكتاب الحكم والنبوة ولا يخفى بعده وجعلنا معه الظرف متعلق بجعلنا وقوله تعالى أخاه مفعول أول له وقوله سبحانه هرون بدل من أخاه أو عطف بيان له وقوله عز و جل وزيرا
53
- مفعول ثان له وتقدم معنى الوزير ولا ينافي هذا قوله تعالى ووهبنا له أخاه هرون نبيا لأنه وإن كان نبيا فالشريعة لموسى عليه السلام وهو تابع له فيها كما أن الوزير متبع لسلطانه
فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا هم فرعون وقومه والظاهر تعلق بآياتنا بكذبوا والمراد بها دلائل التوحيد المودعة في الأنفس والآفاق أو الآيات التي جاءت بها الرسل الماضية عليهم السلام أو التسع المعلومة والتعبير عن التكذيب بصيغة الماضي على الاحتمالين الأولين ظاهر وعلى الأخير قيل : لتنزيل المستقبل لتحققه منزلة الماضي وتعقب بأنه لايناسب المقام وقال العلامة أبو السعود : لم يوصف القوم لهما عند ارسالهما اليهم بهذا الوصف ضرورة تأخر تكذيب الآيات التسع عن اظهارها المتأخر عن ذهابهما عن الامر به بل انما وصفوا بذلك عند الكاية لرسول الله صلى الله عليه و سلم بيانا لعلة استحقاقهم لما يحكى بعده من التدمير وبحث فيه بما فيه تأمل وجوز أن يكون الظرف متعلقا باذهبا فمعنى كذبوا فعلوا التكذيب فدمرناهم تدميرا
63
- عجيبا هائلا لايقادر قدره ولا يدرك كنهه والمراد به أشد الهلاك وأصله كسر الشيء على وجه لايمكن اصلاحه والفاء فصيحة والاصل فقلنا اذهبا إلى القوم فذهبا اليهم ودعواهم إلى الايمان فكذبوهما واستمروا على ذلك فدمرناهم فاقتصر على حاشيتي القصة اكتفاء بما هو المقصود وقيل : معنى فدمرناهم فحكمنا بتدميرهم فالتعقيب باعتبار الحكم وليس في الاخبار بذلك كثير فائدة وقيل : الفاء لمجرد الترتيب وهو كما ترى
وعطف قلنا على جعلنا المعطوف على آياتنا بالواو التي لا تقتضي ترتيبا على الصحيح فيجوز تقدمه مع ما يعقبه على ايتاء الكتاب فلا يرد أن ايتاء الكتاب وهو التوراة بعد هلاك فرعون وقومه فلا يصح الترتيب والتعرض لذلك في مطلع القصة مع أنه لامدخل له في اهلاك القوم لما أنه بعد للايذان من أول الأمر ببلوغه عليه السلام غاية الكمال التي هي انجاء بني اسرائيل من ملكة فرعون وارشادهم إلى طريق الحق بما في التوراة من الأحكام إذ به يحصل تأكيد الوعد بالهداية على الوجه الذي ذكر سابقا
وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه والحسن ومسلمة بن محارب فدمراهم على الأمر لموسى وهرون عليهما السلام وعن علي كرم الله تعالى وجهه أيضا كذلك إلا أنه مؤكد بالنون الشديدة وعنه كرم الله تعالى وجهه فدمرا أمرا لهما بباء الجر وكأن ذلك من قبيل
الصفحة 18
220