كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 19)

من بعيد فهو القهقهة وكأن من ذهب الى أتحاد التبسم والضحك خص ذلك بما كان من الانبياء عليهم السلام فان ضحكهم تبسم وقد قال البوصيري في مدح نبينا صلى الله عليه و سلم :
سيد ضحكه التبسم والم شي الهوينا ونومه الاغفاء وروى البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت : ما رأيته صلى الله عليه و سلم مستجمعا قط ضاحكا أي مقبلا على الضحك بكليته انما كان يتبسم والذي يدل عليه مجموع الأحاديث أن تبسمه عليه الصلاة و السلام أكثر من ضحكه وربما ضحك حتى بدت نواجذه وكونه ضحك كذلك مذكور في حديث آخر أهل النار خروجا منها وأهل الجنة وقد أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وكذا في حديث أخرجه البخاري في المواقع أهله في رمضان وليس في حديث عائشة السابق أكثر من نفيها رؤيتها إياه صلى الله عليه و سلم مستجمعا ضاحكا وهو لاينافي وقوع الضحك منه في عبض الأوقات حيث لم تره
وأول الزمخشري ما روي من أنه صلى الله عليه و سلم ضحك حتى بدت نوجذه بأن الغرض منه المبالغة في وصف ما وجد منه عليه الصلاة و السلام من الضحك النبوي وليس هناك ظهور النواجذ وهي أواخر الأضراس حقيقة ولعله إنما لم يقل سبحانه : فتبسم من قولها بل جاء جل وعلا بضاحكا نصبا على الحال ليكون المقصود بالافادة التجاوز إلى الضحك بناء على أن المقصود من الكلام الذي فيه قيد إفادة القيد نفيا أو إثباتا وفيه إشعار بقوة تأثير قولها فيه عليه السلام حيث أداه ما عراه منه إلى أن تجاوز حد التبسم آخذا في الضحك ولم يكن حاله التبسم فقط
وكأنه لما لم قول فضحك من قولها في إفادة ما ذكرنا مثل ما في النظم الجليل لم يؤت به وفي البحر أنه لما كان التبسم يكون للاستهزاء وللغضب كما يقولون : تبسم تبسم الغضبان وتبسم تبسم المستهزيء وكان الضحك إنما يكون للسرور والفرح أتى سبحانه بقوله تعالى ضاحكا لبيان أن التبسم لم يكن استهزاء ولا غضبا انتهى
ولايخفى أن دعوى أن الضحك لايكون إلا للسرور والفرح يكذبها قوله تعالى إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون فان هذا الضحك كان من مشركي قريش استهزاء بفقرهم كعمار وصهيب وخباب وغيرهم كما ذكره المفسرون ولم يكن السرور والفرح وكذا قوله تعالى : فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون كما هو الظأهر وإن هرعت إلى التأويل قلنا الواقع يكذبها فان أنكرت ضحك منك أولوا الالباب وفيه أيضا غير ذلك فتأمل والله تعالى الهادي إلى صوب الصواب وقرأ ابن السميقع ضاحكا على أنه مصدر في موضع الحال وجوز أن يكون منصوبا على أنه مفعول مطلق نحو شكرا في قولك حمد شكرا
وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك أي اجعلني أزع شكر نعمتك أي أكفه وارتبطه لاينفلت عني وهو مجاز عن ملازمة الشكر والمداومة عليه فكأنه قيل : رب اجعلني مداوما على شكر نعمتك وهمزة أوزع للتعدية ولا حاجة إلى اعتبار التضمين وكون التقدير رب يسر لي أن أشكر نعمتك وازعا إياه وعن ابن عباس أن المعنى أجعلني أشكر وقال ابن زيد : أي حرضني وقال أبو عبيدة أي أو لعني وقال الزجاج فيما قيل أي ألهمني وتأويله في اللغة كفني عن الأشياء التي تباعدني عنك قال الطيبي فعلى هذا هو كناية تلويحية فانه طلب أن يكفه عما يؤدي إلى كفران النعمة بأن يلهمه ما به تقيد النعمة من الشكر واضافة النعمة للاستغراق أي جميع نعمك وقريء

الصفحة 180